تعدد مرجعيات القيم والحاجة للحسم
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 18 يناير 2023 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
موضوع تشوه أو غياب أو التلاعب بالقيم الإنسانية والأخلاقية فى كل أنحاء العالم أصبح حديث الساعة. فالدول الكبرى المهيمنة تتلاعب بكل القيم من أجل خدمة مصالحها ونفوذها فى الحقل السياسى، والشركات والبنوك العولمية الكبرى تستعمل بانتهازية كل القيم من أجل كسب تنافساتها المجنونة فى الحقلين التجارى والمالى، ووسائل الإعلام تساهم بشكل كبير فى نشر تلك القيم المتلاعب بها وتبرير تبنيها لصالح الأقوياء والأغنياء، والمؤسسات الثقافية والتربوية والفنية ــ التى من المفروض أن تدافع عن القيم ــ تقف عاجزة بعد أن أصبحت هى الأخرى مشتراة أو فاسدة.
ولما كنا فى عصر عولمى بامتياز، وأصبح العالم عبارة عن قرية واحدة بتأثيرات تفاعلية متبادلة، فإنه من الضرورى أن نطرح نحن العرب على أنفسنا هذا السؤال: ما موقفنا مما يجرى وما السبيل الذى يصلح لنا ولمجتمعاتنا؟
والجواب القاطع هو أننا ما لم نحسم موضوع مرجعية القيم التى نريد تبنيها لحياتنا العربية، فإننا سنظل حبيسى مرجعيات الغير وما تقود إليه من قيم قد لا نرضاها لأنفسنا، بل ولا للعالم الذى نحن جزء منه. وبالطبع لما كانت الحضارة الغربية هى المهيمنة على عالمنا فإن المرجعيات الفلسفية والثقافية والسلوكية الغربية، وعلى الأخص الأوروبية والأمريكية الشمالية، هى السائدة حاليا، بما فيها سيادتها فى وطننا العربى وإصرار البعض منا على تفضيلها على مرجعياتنا العربية الذاتية.
دعونا نركز، لصالح تربية وثقافة شاباتنا وشبابنا العرب، بعضا من الرفض المطلوب الواضح الصريح لعدد محدود من مرجعيات غربية شهيرة. الأولى هى المرجعية المكيافيلية التى تدعو إلى الفصل بين الأخلاق والسياسة تحت مبدأ وشعار «الغاية تبرر الواسطة». ما يستطيع أن يقود إليه هذا الشعار من خداع وفساد وتلاعب بعواطف البشر واضح أمام أعيننا فى كل مكان: تراجع مرعب فى الأنظمة الديموقراطية، وفساد متنامٍ فى أنظمة الحكم، ورجوع إلى عهود الاستعمار، إلخ.
والثانية هى المرجعية «الوضعية العقلانية» التى جعلت من العلوم التطبيقية الحسية، والعلوم الاجتماعية والإنسانية، والعادات والأعراف هى أساس التقدم الإنسانى، ومقللة من أهمية وحضور الميتافيزيقية الإيمانية، وأصوات الضمير الإنسانى، ومشاعر المثل العليا التى تسمو بروح الإنسان، لتنقلب القيم والسلوكيات الأخلاقية ظواهر اجتماعية ومنهجيات عقلية قابلة للأخذ أو الرفض أو التعديل حسب مقتضيات الظروف النفعية والموديلات المسعرة للغرائز حتى ولو كانت هابطة.
وقد تفرعت عن المرجعيتين السابقتين مرجعيات فرعية من مثل شعارات «اللاعقلانية» النيتشية الشهيرة، «والنيوليبرالية» الرأسمالية التى يعيشها العالم حاليا، و«الفاشستية ــ النازية» التى ما إن تختفى فى مجتمع حتى تظهر وتنمو فى مجتمع آخر، و«النفسية« الفرويدية المختلف حولها.
هل حقا أن مرجعيات القيم، وممارستها، وتطويرها نحو الأعلى والأسمى، والنضال من أجل جعلها جزءا من كل أيديولوجية عربية ومن كل استراتيجية تنموية، والرجوع إليها لمواجهة ما تواجهه البشرية ومجتمعاتنا من أحزان ومآسٍ وأمراض اجتماعية؟... هل حقا أن كل ذلك يجب أن ينتظر حتى تستفيق الحضارة الغربية وتراجع تاريخها الملئ بالاستعمار والاستغلال والحروب وحاضرها الملىء بالظلم والعربدة والإصرار على الهيمنة على كل العالم وعلى مصير العالم، وحتى تقبل أن تتعايش مع الحضارات الأخرى؟
هذا هو السؤال المطروح بقوة فى الدوائر الفكرية الغربية والذى يجب أن نعود ونهيئ شبابنا وشاباتنا على طرحه، وذلك من أجل إعداد أنفسهم وشعوبهم ومجتمعاتهم للانتقال من حالة التقليد الأعمى والإيمان غير المتزن بتلك المرجعيات الأخلاقية الغربية إلى بناء مرجعياتنا الذاتية التى بالطبع قد تستفيد من مرجعيات الآخرين سلبا وإيجابا، ولكن تضيف إلى ذلك إبداعات عوالمها الدينية الروحية، والتاريخية، والضميرية، والنفسية، والمساهمة مع الغير فى صعود الإنسانية إلى الأسمى والأفضل والأكثر جمالا فى عملية تعمير الأرض وسلام عيش ساكنيها.
هذا ما سنحاول إبرازه لشاباتنا وشبابنا.
مفكر عربى من البحرين