ليو أفريكانوس.. سيرة نادرة لجغرافى عربى
عاطف معتمد
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:32 م
بتوقيت القاهرة
رحلتنا اليوم مع كتاب وضعه رحالة عربى ورجل دولة وشخصية نادرة، اسمه فى الأوساط العلمية والثقافية الغربية «ليو أفريكانوس» واسمه فى الثقافة العربية «الحسن الوزان الفاسى»!
من هو الحسن الوزان؟
الاسم الكامل: الحسن الوزان الزياتى، ينسب لقبيلة مغربية، لكنه ولد فى غرناطة فى عام 1483، قبيل 10 سنوات من سقوط الأندلس النهائى أمام المسيحية الغربية. والتى كانت نقطة تحول فى كل جغرافية حوض المتوسط والعالم الإسلامى والإفريقى، حين زحفت القوى الغربية على استعمار الشرق.
وبعد طرد المسلمين من الأندلس، انتقل صاحبنا ــ الحسن الوزان ــ إلى المغرب، فاستقر مع أسرته فى مدينة فاس، ومن هنا نفهم لماذا تمنحه بعض المراجع مسمى «الحسن الوزان الفاسى» رغم أن أول 10 سنوات من عمره كانت فى غرناطة.
فى دراسته الفقه واللغة والمنطق والحساب على يد شيوخ فاس أظهر الفتى الحسن الوزان نبوغًا مبكرًا، حتى إن سلطان فاس ضمه إلى الخدمة ــ فى معية أبيه ــ فى شئون السياسة والمال فى بلاطه فى وقت كان المغرب معرضًا للتقسيم إلى شمال وجنوب، بينما تتعرض ثغوره الشمالية إلى احتلال إسبانى برتغالى بعد إسقاط غرناطة.
أى أن الفتى الذى شهد الطرد من الأندلس بعد سقوطها كان يعاصر مرحلة جديدة من مطاردة الأعداء فى عقر دار المغرب العربى فى هجمة مرتدة بالغة الشدة والأثر.
أوكل سلطان فاس إلى الوالد مهام تجارية ثم إلى الابن مهام إدارية وسياسية استلزمت السفر والترحال فى بلاد عديدة فى المغرب وإفريقيا (ومن هنا أهمية كتابه الشهير «وصف إفريقيا»).

مسارات الرحلة وخبرات السفر
برفقة أبيه وفى رحلات إدارية وتجارية وسياسية مر الحسن الوزان بعدة مراحل مهمة فى حياته يمكن إجمالها على النحو التالى.
زار فى صغره برفقة والده مصر والجزيرة العربية والعراق وفارس وأرمينيا وبلاد التتار.
منذ أن عمل فى بلاط السلطان الفاسى قام برحلات عدة إلى سواحل المغرب ولا سيما فى المناطق التى زحف عليها الإسبان والبرتغال، كما ارتحل إلى وسط المغرب، فى إقليم تادلا - تفزا الممتد فى قلب المغرب فيما بين فاس ومراكش. كما عرج فى غير رحلة على أقاليم مختلفة فى المغرب لا سيما التى تعرضت إما لاحتلال الإسبان والبرتغال وإما لانشقاق الحكام عن سلطة فاس.
من أهم رحلاته تلك التى انطلق فيها بمهام إدارية وسياسية إلى بلاد السودان الغربى قاصدا مملكة «صنغاى» والتى تناظر اليوم دول النيجر ومالى والسنغال، وقد صحب فيها عمه الذى كان مكلفًا عام 1511/917 بسفارة بين ملك فاس (محمد الوطاسى) إلى ملك صنغاى، وقد سلكوا فى الذهاب الطريق الغربى عبر مراكش ودرعة، وأخذوا فى الرجوع طريق سجلماسة – فاس.
رحلة إلى إقليم الأطلس الكبير، حين كلف عام 918 / 1513 بمهمة سياسية لدى قبائل جبال دادس وما حولها. كما قام برحلة أخرى إلى بلاد «حاحة» فى غرب المغرب على ساحل الأطلنطى. وفى طريق الرجوع شهد معركة «بولعوان» بين المغاربة والبرتغاليين قبل أن يلتحق بمراكش ليحمل رسالة سياسية موفقة لعقد تحالف بين مراكش وفاس لمواجهة الخطر الاستعمارى.
رحلة إلى الحجاز فى أواخر عام 1516/921، سلك فيها مع ركب الحجاج الفاسيين الطريق الشمالية عبر مدن شمال المغرب والجزائر وتونس ومنها إلى مصر ومن هناك إلى الحجاز.
بعد أداء الحج ارتحل إلى الأستانة للقاء السلطان سليم الأول سفيرًا لديه من قبل ملك فاس. غير أن سليمًا كان قد خرج فى حركته العسكرية الكبرى للاستيلاء على بلاد الشام ومصر، فلحق به الوزان هناك وحضر معه المعارك العنيفة التى انتهت يوم 21 ربيع الأول 13/923 أبريل 1517 بالقضاء على مقاومة المماليك فى مصر. ومكث الحسن الوزان الفاسى فى مصر بضعة أشهر إلى أن خرج السلطان سليم من الإسكندرية، فصعد هو مع النيل إلى السودان وتجول فيه قبل أن يبحر إلى جدة ويزور «الينبوع». وقد استغرق فى ذلك بقية عام 923 م ثم الانتقال إلى البلاد الليبية والتونسية فى طريق الرجوع إلى المغرب.
الحدث الفارق ونقطة التحول
خلال رجوعه من رحلته فى مصر والسودان وعبوره إلى ليبيا وتونس طرأ حدث فارق فى حياة الحسن الوزان حين وقع فى أيدى القراصنة الإيطاليين فأسروه بالقرب من جزيرة جربة التونسية، وأخذوه أسيرا إلى نابولى، ونظرا لمكانته وعلمه ومعارفه وخبراته قدموا هذا الأسير المهم هدية فى روما إلى البابا المعروف باسم «ليون العاشر».
اشتهر عن «ليون العاشر» أنه أحد بابوات عصر النهضة الذين عملوا على إحياء العلوم والآداب والفنون، لذلك عرض على هذا الشاب واسع الثقافة والمعرفة أن يعمل معه، لا بوصفه أسيرًا بل بوصفه صديقًا ومساعدًا، وقد استجاب الحسن الوزان استجابة سريعة مدهشة بل وقبل أن يعلن اعتناقه المسيحية وترك ديانة الإسلام وحمل اسم البابا ليون، ومن هنا سيعرف فى الأوساط العلمية الأوروبية باسم «ليون الإفريقى».
سيختلف المؤرخون والفلاسفة فى القرار الذى اتخذه الحسن الوزان بين من يرى أنه فعل ذلك عن استعداد وميل فطرى للتأقلم مع البيئة المسيحية، منذ نشأته فى غرناطة وتأثره بالثقافة المسيحية، وبين من يرى أن الحسن الوزان فعل ذلك لأنه لا سبيل أمامه إلا أن يتفاهم مع البابا ومن ثم تظاهر بالأمر مضمرا عقيدته.
- أمضى الحسن الوزان (وقد صار اسمه ليون) ثلاثة عقود متصلة فى إيطاليا، يعمل فيها لصالح الأوروبيين، وهناك كتب مؤلفه الشهير «وصف إفريقيا».
ترجمة محل نزاع
فى عام 1980 وفى تعريض ونقد لاذع للترجمة التى أصدرها الجغرافى السورى الكبير عبد الرحمن حميدة، أصدر اثنان من العلماء المغاربة ترجمة جديدة لكتاب ليون الإفريقى «وصف إفريقيا» الذى عرفه العالم قبل 500 سنة.
فى ترجمته للنسخة الفرنسية، كان الجغرافى السورى الكبير عبد الرحمن حميدة قد تسلح بحصوله على دكتوراه من باريس، وكتب ذلك على غلاف الكتاب، وحصل المؤلفان من المغرب على دكتوراه من جامعة السوربون وكتبا ذلك على غلاف الكتاب أيضا. فأين الأفضلية فى الترجمة؟
قبل أن نخضع الكتابين للمقارنة هناك عامل يرجح ــ من الناحية النظرية ــ كفة الترجمة المغربية التى قدمها محمد حجى ومحمد الأخضر من المغرب، وهى أن مؤلف الكتاب (ليون الإفريقى) ارتبطت سيرته ومسيرته بالمغرب ارتباطا وثيقا، وأن موضوع الكتاب (وصف إفريقيا) هو الأقرب إلى الجغرافيا المغاربية منه إلى الجغرافيا السورية.
ونحتاج إلى وقت لعقد مقارنة بين الترجمتين للمتخصصين، لكن ما عرضناه فى مقال اليوم تعريفا بالحسن الوزان (الشهير بليون الإفريقى) إنما استندت فيه إلى الترجمة المغربية، والتى لخصت منها المعلومات الأساسية عن ليو أفريكانوس أو «الحسن الوزان الفاسى». والذى اتخذه الأديب الكبير أمين معلوف موضوعا لرواية شيقة تقوم على كثير من الخيال قليل من المعلومات التاريخية.
كلمة ختام
وفى نهاية هذا العرض الموجز نستحضر وصفًا قاله مؤرخ أوروبى عن بطل رحلتنا اليوم:
«يعجب المرء لعدد المرات التى أفلت فيها ذلك الرجل من المخاطر الرهيبة.. والمرات التى أوشك فيها أو كاد على الوقوع فى الأسر، والمرات التى كادت فيها أن تطير عنقه على يد البدو الرحل، والمغاربة المتوحشين، وعدد المرات التى أفلت فيها فى اللحظة الأخيرة من أفواه الأسود الشرسة، وأنياب التماسيح المفترسة. فضلا عن ذلك، تمتع الرجل بخصائص حميدة كثيرة ليس أقلها قدرته على المناورة، فحينما كان يسمع الناس يهاجمون الأفارقة بالسوء، كان يؤكد لهم أنه من غرناطة، وعندما يدرك أن أمة غرناطة محل نقد وهجوم، كان سرعان ما يعتبر نفسه إفريقيا حتى النخاع».