المستقبل.. هل ينفصل حقًا الدين عن السلطة؟
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الأحد 18 مايو 2014 - 5:05 ص
بتوقيت القاهرة
كنت قد بدأت فى مقالى السابق «المستقبل.. تعددية حزبية مقيدة» الحديث عن بعض إرهاصات المستقبل من خلال تناول بعض المؤشرات الدالة على قواعد اللعبة السياسية فى النظام السياسى الجديد، وبعد أن تناولت مستقبل الأحزاب أتناول اليوم مستقبل العلاقة بين الدين والسلطة وهى واحدة من أهم قواعد اللعب فى أى نظام سياسى.
لعل الموضوع جدلى ليس فى مصر فحسب ولكن فى العالم بأثره وهنا وقبل قراءة المستقبل يلزم إيضاح نقطتين؛ الأولى: يفرق علماء السياسة بين الدول الملحدة والدول العلمانية ورغم أن التناول العربى لقضية الدين والسلطة لا يميز بينهما فإن الفصل واجب، ذلك أن الدول الملحدة تضيق الخناق على الدين ورجاله ومؤسساته ليس فى السياق السياسى فحسب ولكن فى السياق العام أيضا (حالة الصين أو كوريا الشمالية أو الاتحاد السوفييتى السابق) بينما الدول العلمانية تسمح للدين بالتواجد فى السياق العام وقد تتساهل أو تتشدد مع دوره فى السلطة (هنا الفرق بين علمانية فرنسا الأكثر تشددا من علمانية الولايات المتحدة مثلا) أما النقطة الثانية فهى أن العلمانية لا تدعو لإبعاد الدين كتعاليم عن السلطة ولكنها تدعو الى إبعاد رجال الدين ومؤسساته عن الحكم حتى لا يختلط البشرى المدنس بالإلهى المقدس، وكذلك حتى لا يستغل الدين فى ترويج سياسات تدعى القدسية حتى تحتكر الحقيقة وتتجنب المعارضة لأن الأخيرة فى هذه الحالة ستكون معارضة لإرادة الله لا للسياسة ذاتها.
•••
وإذا تناولنا السياق المصرى للعلاقة بين الدين والسلطة نجد ثلاثة ملامح رئيسية؛ الأول أنه لم يحدث أبدا فى تاريخ الجمهورية أن ادعت الدولة أو إحدى مؤسساتها أنها تسعى لفصل الدين عن السلطة بل عكف رؤساء الجمهورية عبر العقود الى إظهار جوانب تدينهم كلا بأسلوبه، أما الملمح الثانى فهى أن الدولة والإخوان تنافسا منذ الخمسينيات على احتكار الدين وتوظيفه سياسيا وإذا افترضنا أن الأخير تهمة فهى لا تخص الإخوان وحدهم ولكن تخص الدولة أيضا التى سعت دوما إلى تأميم المؤسسات الدينية وضمان ولاء قادتها لتأمين جانب خطابها للدرجة التى دعت السادات إلى عزل البابا المختار كنسيا وفقا لتعاليم مقدسة بقرار رئاسى فى الأزمة الشهيرة فى ١٩٨١!! فلم يحدث قط أن حاولت الدولة حقا فى أى مرحلة من مراحل الجمهورية على الأقل أن تمايز بين الدين والسلطة لكنها سعت فقط إلى تأميم هذه المساحة واحتكارها لمنع خصومها من الفعل ذاته! أما الملمح الثالث فهو أنه لم يحدث فيما أعلم أن ادعى تيار سياسى مصرى معتبر أنه تيارا علمانيا أو دعى إلى ذلك صراحة وذلك قطعا خوفا من الاصطدام بالجماهير (المتدينة بطبعها) وهو ما دعاها والغالبية العظمى من أقطابها التحايل على المصطلح باستخدام مفردات أخرى كالليبرالية والمدنية.. إلخ.
•••
واذا ما نظرنا للفترة من ٢٠١١ وحتى خلع الرئيس السابق فى ٢٠١٣ نجد أنها تميزت باستخدام مكثف للدين من أجل ترويج سياسات أو الدفاع عن أخرى، كما أن العديد من المؤسسات الدينية ورموزها تورط فى الترويج لهذا المرشح أو ذاك، ولعل واحدة من أهم الانتقادات التى وجهت إلى مرسى أنه حاول إعادة إنتاج صورة «الرئيس المؤمن» وقام وجماعته بخلط الدين والسياسة، إلا أن المتابع للتطورات منذ ٣٠ يونيو وحتى الآن يستطيع بسهولة أن يصل إلى نتيجة مؤداها أن معادلة الدين والسلطة لن تتغير فى مصر، فستستمر السلطة فى محاولة احتكار الدين وتأميمه والحديث باسمه لإرضاء «جمهور المتدينين» من ناحية ولتفويت الفرصة على الخصوم السياسيين لتوظيف الدين فى صراعاهم السياسى من ناحية أخرى. وقد ظهر هذا المنحى بوضوح عبر أربعة مؤشرات: الأول: هو أنه تم استدعاء مؤسستى الأزهر والكنيسة منذ اللحظة الأولى لعزل مرسى، عبر دعوة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة لإعلان ٣ يوليو، صحيح أن الأمر ظهر فى البداية وكأنه عمل وطنى بحيث تجمع عليه الأمة ومن ثم كان تمثيل الأزهر والكنيسة إلا أن الأيام التالية أظهرت بوضوح استدعاء المؤسستين فى مناسبات مختلفة لتمرير رسائل سياسية شديدة الوضوح برداء دينى، ثانيا: حرص الإعلام الخاص والمستقل والحكومى على استخدام رجال الدين بكثافة جزء من عملية الترويج لخارطة الطريق ومسار ٣ يوليو وفى هذا لبس بعض رجال الدين عباءة المذيعين وقدموا برامج وسددوا ضربات سياسية هنا وهناك تارة بالعباءة المدنية وتارة بالدينية مرة يستدعون لقب «الشيخ» وأخرى يستدعون فيها لقب «الاستاذ» النجم حسبما تقتضى الظروف. ثالثا: حرصت السلطة منذ ٣ يوليو على التحالف مع بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية وسمحت لها ولرموزها باستخدام خطاب دينى إقصائى للآخر دون رد فعل يذكر فى مؤشر على الرضاء أو على الأقل الرغبة فى عدم استعداء جمهور هذا التيار رغم ضربه للمواطنة فى مقتل! وأخيرا فقد ظهرت إرهاصات واضحة أن أحد المرشحين الذى يعتقد أنه الأوفر حظا للفوز بمقعد الرئيس لا يجد غضاضة فى خلط الدين بالسلطة أو بمعنى أدق فى تحديد السلطة لمساحة الدين فى المجتمع والدولة من خلال مسئوليتها عن «دين الدولة» وعن القيم والأخلاق كما صرح فى أحد اللقاءات مؤخرا.
•••
تبدو الأمور اذا واضحة، سيستمر الصراع بين الدولة وخصمها اللدود على استخدام المساحات الدينية لتمرير الرسائل السياسية مع رغبة عارمة متوقعة من السلطة لتأميم هذه المساحة واحتكارها كواحدة من أهم قواعد اللعبة السياسية خلال المرحلة المقبلة.