‎السيسى والقمة.. والتطبيع

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 18 مايو 2025 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

‏من أهم ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته أمام القمة العربية رقم 34 والتى عقدت فى العاصمة العراقية بغداد يوم السبت الماضى: «حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية فإن السلام الدائم والشامل فى الشرق الاوسط سيظل بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية».
‏وقد يسأل سائل: ولماذا هذه العبارة مهمة؟
والإجابة ببساطة لأنها تعيد الأمور إلى المربع الأساسى وأصل القضية وهو أنه لا استقرار من دون حل القضية الفلسطينية.
‏ وليس خافيا على أحد أن العرب عرضوا بوضوح على إسرائيل التطبيع الكامل مقابل إقامة الدولة الفلسطينية حينما قدموا المبادرة العربية التى أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 لكن إسرائيل رفضت المبادرة وما تزال ترفض ذلك بكل صلافة.
‏قبل ذلك فإن إسرائيل تنصلت من كل ما وعدت به لحل القضية الفلسطينية منذ وقعت مع مصر اتفاقيات كامب ديفيد عام ١٩٧٨ واتفاقية السلام عام ١٩٧٩ واتفاق أوسلو مع الفلسطينيين عام 93 ووادى عربة مع الأردن عام 94.
‏ليس ذلك فقط بل إن إسرائيل أضافت احتلال المزيد من الأراضى السورية مؤخرا، وترفض الانسحاب من جنوب لبنان وتقصف فى اليمن، كما قصفت إيران أكثر من مرة.
‏التفكير الإسرائيلى يقوم على أن كل دولة عربية تعترف بها وتقيم معها علاقات فإن ذلك يضعف الموقف الفلسطينى ويتيح لإسرائيل التهرب من أى التزامات دولية خصوصا إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو عام ١٩٦٧.
‏لا أشك فى أن كل دولة عربية أقامت علاقات رسمية أو غير رسمية مع إسرائيل كانت تريد أو على الأقل تعتقد أن ذلك سيساعد فى تليين موقف إسرائيل المتصلب من إقامة الدولة الفلسطينية.
‏وبالطبع فقد صار الجميع يدرك الآن أن إسرائيل استغلت هذه الاتفاقيات والعلاقات فى مزيد من التصفية القضية الفلسطينية عبر خطوات متنوعة أخطرها محاولات تهجير الفلسطينيين قسرا من قطاع غزة.
‏وللأسف فإن إسرائيل قطعت خطوات مهمة فى سبيل تنفيذ مخططها وأهمها تحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة وقضم وتهويد المزيد من أراضى الضفة الغربية بل والاستعداد لضمها تماما لكل ما تم الاتفاق عليه طوال السنوات الماضية،
‏إسرائيل راهنت على أن السلام مع مصر سيخرج أكبر قوة عربية من القضية لكن ذلك لم يتحقق بالشكل الذى حلمت به إسرائيل، وعادت مصر لتصبح الدولة الأكثر خطرا على إسرائيل ومخططاتها.
ولا ننسى أن السلام المصرى الإسرائيلى ظل باردا ولم تتمكن إسرائيل منذ الوصول لقلوب عقول المصريين أو أى شعب عربى آخر، منذ زيارة السادات للقدس فى 17 نوفمبر 77 وحتى الآن.
‏ ما قاله السيسى فى قمة بغداد يعنى بوضوح أنه حتى لو تمكنت إسرائيل من التطبيع مع كل الحكومات العربية فإن ذلك لن يجلب لها الأمن والاستقرار. مادام هناك شعب آخر يتم قتله وتهجيره ومصادرة أرضه ومحاولات استئصاله، وأتجاسر وأقول إنه حتى لو تمكنت إسرائيل نظريا من القضاء على كل الشعب الفلسطينى فإن غالبية العرب والمسلمين والعديد من الشرفاء فى العالم لن يقبلوا ذلك وسيظلون يقاومون بصورة أو أخرى.
‏لكن ربما السؤال المهم الذى ينبغى أن نطرحه للنقاش هو: إذا كانت الحكومات العربية قد أدركت خبث ولؤم وسوء نية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ألا ينبغى عليها أن تعيد النظر فى العلاقات مع إسرائيل؟!
‏لا اطالب بإعلان العرب الحرب على إسرائيل، ولكن على الأقل باتخاذ خطوات عملية تبدأ بعدم الابتسامة فى وجه العدو، وتنتهى باستخدام العديد من أوراق الضغط العربية حتى تشعر إسرائيل بأن هناك ثمنا ينبغى أن تدفعه نظير استمرارها فى عملية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى.
‏والأكثر أهمية أن على هذه البلدان العربية أن تدرك أن الخطر لا يطال الشعب الفلسطينى فقط، بل أن الدور قادم على كل دولة عربية على حدة فلا تطمئنوا كثيرا للوعود الأمريكية الإسرائيلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved