والصيف يشرع أبوابه تبدأ درجات الحرارة فى الارتفاع حتى تصل إلى الأعلى فى العالم فى بعض مناطقنا، قالوا: إنه تغير المناخ والحروب والنزاعات أو كلهم... والبعض ينبأ مرة أخرى بصيف ساخن.. كم صيف ساخن مر من هنا؟ بهذا البلد أو ذاك، فيما الكثيرون يعدون لمهرجانات قادمة تنتشر كالفطر فى البرية بموسم المطر.
تعود الطبول تقرع ــ كل الطبول ــ بعضها للحرب القادمة لا محالة وأخرى للاحتفاء بالصيف عبر الرقص والغناء حتى ساعات الصباح الأولى.. ربما لأن البعض فى هذه المنطقة المنكوبة بحروبها وبتسلط سياسيوها والجالسون على الكراسى الوثيرة الرافضون لزحزحة مهما كانت شكلية أو تجميلية لأنظمة لا يمكن أن يقال عنها إلا أنها آخر العروش المتهاوية حتما.
***
بين الطبول والطبول تقف المدن حائرة، تكتظ الشواطئ حتى عندما تكون القذيفة أقرب لهم من الشراب المنعش فى أياديهم.. يرقص الشباب أو ما تبقى منهم؛ فكل شبابهم غادر أو يعمل على أن يغادر أو يسعى لذلك بكل ما استطاع إليه من سبيل.. هذه أوطان تؤدى شبابها بالبطالة والتهميش وقلة المعرفة والخطابات الممجوجة عن أهمية مشاركة الشباب.. وطبعا شبابهم فقط هم القادرون على الوصول إلى المناصب بحكم القبيلة أو الطائفة أو الحزب وهم شباب صدق الوهم بأنه يصنع أوطانًا جديدة، فما هى سوى بضع ملايين فى جيوب تلك الشركة المبجلة التى تقوم برسم ما تسميه سياسات للتنمية طويلة المدى.. هى التى لا تعرف تاريخه ولا ثقافته ولا عادات شعوبه ولا حضارته العريقة ولا تفهم من دينه شيئا سوى الفهم المسطح أخيرا الذى يدور حول السؤال الممجوج «أنت شيعى أو سنى»؟
نفس تلك الشركات أحضرت معها شركات العلاقات العامة التى نصحت حتى مدن الصحراء أن يكون لها مهرجاناتها المتخصصة.. ولم لا! فهذه هى موضة السياحة الحديثة فى مدن الملح! فيما سكان تلك المدن تولى وجهها صوب بقاع الأرض الواسعة مبتعدة عن عالم عربى أصبح يشكل عليها عبئا.. فهو إما كاره لها ولدورها المستمر فى التدخل فى شئونه حد تمويل الجماعات المسلحة أو هو فقط محتقر لها ربما لأن نفطها لم يثمر بلحا وتينا وزيتونا لكل الملايين الجائعة أو ربما لأنه لم ينبت سوى الزبد! أو حتى ربما لتعالى بعض أمرائها عليهم؛ على عرب التاريخ وعرب الحضارة وعرب الأنهار التى تشرق لتولد مدن حقيقية ببشر حقيقيون.. أو ربما لأن المعاناة فاقت التصور البشرى فى كل هذه الدويلات المنتشرة المتوحدة تحت قبة مهترئة، فيما القيادات الشابة هناك تتحدث عن الرفاة للمواطن! وليس كل مواطن وإنما فقط المواطن المطيع جدا.. المدافع عن سياساتها ورؤيتها للكون، الساقط فى بحر من الظلمات دون أن يعلم أن الظلام لا نهاية له إلا بمحاربته بالنور وليس بالعتمة!.
***
يأتى الصيف بمهرجاناته وحروبه.. لماذا تكثر الحروب فى الصيف والعربى يريد أن يستمتع ببحره إذا استطاع إليه سبيل أيضا!! فليس لكل عربى الحق فى البحر، فهو الآخر حق فقط لأصحاب الثروات والأثرياء ومحدثى النعمة وتجار الحروب والكوارث والفاسدين وبعض الباقين من الطبقات الوسطى ــ التى والحمد لله أصبح من أكبر انجازات الزعامات الدائمة فى هذه المنطقة هو القضاء على ما تبقى منها...
تعرف أن الصيف مقبل؛ فإشارات المهرجانات تملئ الشوارع القاتلة وكذلك الإعلانات عن المصايف عند الساحل الشمالى والسواحل الأخرى.. إلى جانب إغراءات الرحيل إلى مدن الشمال الأكثر برودة فى الحرارة والسياسة أيضا!! ففيما نتساءل نحن عن كيف ستكون بداية الحرب وإذا استمرت فماذا سيفعل الناس هنا والقادمون أيضا؟ هناك انشغال تام بانتخابات رئاسية وبرلمانية وتحليلات عن اليمين واليسار وتداول السلطة! يقف العربى الذى لم يعرف إبدال معنى هذا التعبير ــ أى التداول للسلطة ــ فهو قد خبره فقط فى صورة انتقال الصلاحيات من الأب إلى الابن أو الأخ حتى لو كان ذلك عبر انقلاب أبيض بقفازات من الحرير !
***
الصيف مقبل لا تحزموا الشنط ولا تتحزموا للرقص فقط تأملوا حالنا الذى نحن فيه والذى كما يقول المثل الشائع «لا يسر عدو ولا حبيب»
الصيف مقبل الله يستر!