أوراق العرب وحساباتهم
أشرف البربرى
آخر تحديث:
الأربعاء 18 يونيو 2025 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
نخطئ جميعا نحن العرب حكاما وشعوبا إذا استسلمنا لفكرة أن دولنا لا تملك أى تأثير على مجريات الحرب التى شنتها إسرائيل على إيران بدعوى تفكيك برنامجها النووى، وأن الخيار الأسلم لدولنا هو الحياد السلبى انتظارا لما ستئول إليه الأحداث.
فالمؤكد أن الدول العربية وبخاصة دول الخليج ومعها مصر تمتلك الكثير من الأوراق التى تستطيع استخدامها، على الأقل لتقصير أمد تلك الحرب التى تدور رحاها فى سماوات دول عربية وتشتعل نيرانها على حدود دول الخليج التى «ستدفع، بل هى تدفع ثمنا باهظا للتصعيد الراهن وللحرب التى اندلعت إثر قيام إسرائيل بشن هجمات على المواقع الإيرانية العسكرية والمدنية» على حد قول الشيخ حمد بن جاسم آل ثان رئيس وزراء ووزير خارجية قطر سابقا فى منشور على منصة التواصل الاجتماعى إكس.
ثم يضيف الرجل الذى كان أحد أبرز اللاعبين فى المشهد السياسى العربى والإقليمى على مدى سنوات أن دول الخليج العربى تمتلك أوراقا يمكن استخدامها للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف الحرب الإسرائيلية على إيران، ليس دفاعا عن الإيرانيين ولكن دفاعا عن مصالحها وأمنها، فيقول: «لابد لنا فى دول الخليج أن نسعى لإيقاف هذا الصلف الجنونى فى استعمال القوة لأننا أول المتضررين منه، ومصلحتنا هى فى أن تكون بحيرة الخليج العربى بحيرة سلام للجميع، وأملى أن يتحرك قادتنا بسرعة عبر القنوات التى يعرفونها لوقف هذا الجنون».
ويمكن القول إن الدول العربية لم تكن أبدا بدون أوراق مؤثرة فيما حولها من أحداث وصراعات منذ بوادر ظهور الكيان الصهيونى أثناء الحرب العالمية الأولى، لكنها كانت تخسر هذه الأوراق إما بسبب عدم الكفاءة فى إدارتها واستخدامها، أو بسبب غياب الإرادة السياسية اللازمة للاستفادة منها.
فدول الخليج التى منحت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة لها قبل أقل من شهرين تعهدات استثمار وعقودًا بأكثر من 4 تريليونات دولار، وأتاحت له التباهى بها أمام أنصاره وخصومه فى واشنطن، تستطيع إن أرادت استخدام هذه التعهدات والعقود للضغط على ترامب الذى أكد منذ دخوله البيت الأبيض أنه «تاجر أكثر منه سياسى» يسعى وراء الصفقات والاستثمارات وهى أمور تمتلك فيها دول الخليج ميزة نسبية لا تتوافر لغيرها من دول المنطقة.
كما أن مصر بما تمتلكه من وزن إقليمى لا غنى عنه، عقدت اتفاقية سلام مع إسرائيل ظلت على مدى نحو نصف قرن محور الاستقرار والهدوء فى المنطقة، وبما تمتلكه من عناصر القوة الحقيقية وعلاقتها الاستراتيجية مع واشنطن تمتلك أوراقا تستطيع استخدامها أيضا لتجنيب المنطقة مستقبلا أشد إظلاما.
حتى العراق الذى سقط فى الفخ الأمريكى منذ غزوه للكويت فى أغسطس 1990 ثم الغزو الأمريكى له فى مارس 2003 يمكن أن يضغط على الإدارة الأمريكية بحكم مصالح واشنطن الكبيرة فيه حاليا.
التحرك الجاد واستغلال كل ما لدى الدول العربية من أوراق لوقف الحرب، بل والحيلولة دون هزيمة إيران، هو دفاع عن المصالح العليا للعرب وحماية لأمنهم سواء على المدى القريب أو البعيد. فدول الخليج قد تتعرض لكارثة إشعاعية إذا ما نجحت المساعى الإسرائيلية فى استدراج الإدارة الأمريكية لقصف منشأة فوردو النووية الإيرانية التى تقول التقديرات إنها تحتوى على 400 كيلوجرام يورانيوم عالى التخصيب وهى كمية تعادل نحو 10 قنابل نووية. فإسرائيل تقصف المنشآت النووية الإيرانية دون أن تضع فى الحساب ما يمكن أن يسببه ذلك من تلوث إشعاعى فى منطقة الخليج، وقد يتحول الأمر إلى كارثة أكبر إذا تمكنت بدعم أمريكا من تدمير منشأتى نطنز وفوردو بصورة كبيرة بما تَضُمَّان من كميات كبيرة من اليورانيوم، وهو ما حذرت منه وزارة الخارجية الروسية التى قالت إن «الهجمات المكثفة المستمرة التى تشنها إسرائيل على المواقع النووية السلمية الإيرانية تدفع العالم إلى كارثة نووية».
أخيرا فإن السماح لإسرائيل بالقضاء على إيران لن يعنى سوى انفراد إسرائيل بالهيمنة الإقليمية وهو ما لا يمكن أن يخدم مصالح العرب ولا ينبغى القبول به.