الولايات المتحدة عليها الاستعداد لوباء مزدوج
مواقع عالمية
آخر تحديث:
السبت 18 يوليه 2020 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع The Atlantic مقالا للكاتب Ed Yong تحدث فيه عن إمكانية ظهور وباء ثانى مع بدء التهاون فى تطبيق التباعد الاجتماعى فى الولايات المتحدة وفى ظل التخبط الموجود بالفعل فى التعامل مع جائحة الكورونا.. نعرض منه ما يلى.
قبل سبع سنوات، كان البيت الأبيض يستعد ليس لوباء واحد، بل اثنين. ففى عام 2013 انتشر فى الصين سلالة جديدة من مرض إنفلونزا الطيور، فى حين انتشرت الإصابات بفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية من المملكة العربية السعودية إلى عدة بلدان أخرى.. من حسن الحظ، لم تتطور أى من الحالتين لوباء عالمى.. ولكن يظل اليقين أن الأوبئة لا مفر منها، وهى فقط مسألة وقت حتى يظهر وباءان أو أكثر فى وقت واحد.
فى أزمة كوفيد ــ 19 الراهنة تضاءل إمكانية ظهور وباءين فى وقت واحد مع تطبيق التباعد الاجتماعى.. إلا أنه مع العجز الفيدرالى والتسارع لإعادة الفتح، تم القضاء على فوائد أشهر من التباعد الاجتماعى. يتم تأكيد حوالى 600 ألف حالة إصابة بكورونا جديدة كل يوم مع ارتفاع معدلات الوفيات فى الولايات المتحدة.. ومع فشل الولايات المتحدة فى التعامل مع وباء واحد، فكيف سيكون الحال مع وباءين؟!
أوضح كوفيد ــ 19 كيف يكون الحال عندما تكون البلدان ــ حتى القوية منها ــ غير مستعدة لمواجهة الأحداث النادرة المدمرة. بعد أشهر من الوباء ضعفت التحالفات الدولية وتقلصت الموارد.. استمرار هذا الفشل يعنى أن الولايات المتحدة عرضة لكوارث أخرى من حرائق وأعاصير وأوبئة.
***
كوفيد ــ 19 هو واحد من ضمن العديد من الفيروسات الأخرى الموجودة فى الحيوانات البرية التى تحتوى على ما يقدر بـ 40 ألف فيروس غير معروف، يمكن لربعها الانتقال إلى البشر. ومع تغير المناخ والإضرار بالمواطن الأصلية لهذه الحيوانات، زاد قرب هذه الفيروسات من البشر والمواشى، وزاد سرعة انتشارها مع ازدحام المدن وسرعة وسائل المواصلات. إذا ظهر وباء جديد، سيتبع نفس مسار كوفيد ــ 19.
تضاؤل التضامن العالمى يمثل مشكلة. القوانين الدولية تشير إلى أن الدول ستخطر بعضها البعض وبسرعة حول الأمراض الناشئة لحماية الاقتصاد ومشاركة المعلومات.. ولكن تم انتهاك هذا الاتفاق خلال كوفيد ــ 19 بعد أن قامت الصين بقمع المعلومات حول تفشى المرض وسرعان ما طبقت دول أخرى حظر السفر.
فشل ترامب فى قيادة الدولة الأكثر استعدادًا لمواجهة الجائحة، وأضعف الترابط العالمى بمحاولة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية. هذه المحاولة التى من الممكن أن تشجع المسئولين الأمريكيين بعد ذلك فى الانسحاب من المؤسسات الدولية، والذى قد يشجع دولا أخرى على أن تحذو حذوها. لم يضر هذا الانسحاب بمنظمة الصحة العالمية فحسب ولكن أيضا بمكانة أمريكا، المتضررة بالفعل، بعدما أدارت الأزمة بشكل سيئ واشترت المخزون العالمى من الأدوية الهامة وانسحبت من التحالفات.. ستكون أقل احتمالا بتلقى التحذيرات أو الدعم إذا ظهرت أزمة جديدة.
***
هناك سيناريو متفائل إذا بدأ وباء ثانٍ فى الانتشار.. سيصعب على الوباء الانتشار فى ظل عالم متيقظ، سريع فى الكشف عن الوباء، ويتلاشى مع حذر المواطنين. فلطالما يتوخى الناس الحذر ضد الوباء الحالى، فنظريا هم محميون من احتمالية انتشار وباء ثان.
يمكن أيضا تعديل الاختبارات للكشف عن كوفيد ــ 19 لتشخيص أكثر من وباء. تعمل إحدى الشركات بالفعل على تطوير اختبار متعدد يمكنه الكشف عن أربعة فيروسات تنفسية ــ كوفيد ــ 19، ونوعان من الإنفلونزا، والفيروس التنفسى المخلوى البشرى ــ فى مسحة أنفية واحدة، إلى جانب تعديل اللقاحات الموجودة للحماية منهم. سيستغرق ذلك عدة أشهر، ولكن وجود لقاح الإنفلونزا الموسمية يوفر بداية لا تقدر بثمن. من السهل تخيل هذا المستقبل فى دول مثل كوريا الجنوبية ونيوزيلندا وألمانيا، التى سيطرت بنجاح على كوفيد ــ 19، ويبدو أقل احتمالا فى دول مثل الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا والهند.
***
سيكون الفيروس الثانى مدمرًا بشكل كبير إذا استهدف شريحة مختلفة مما استهدفه كوفيد ــ 19، مثل الأطفال أو البالغين بين 20 ــ 40 سنة مثل الإنفلونزا الإسبانية.. من الممكن أن يصاب الشخص بفيروسات تنفسية متعددة فى وقت واحد، ولكن من الصعب التكهن بما سيحدث إذا أصيب شخص بوباءين عضال فى نفس الوقت. تتكاثر الفيروسات فى الخلية المضيفة، وقد يعرقل فيروسان بعضهما البعض بالتنافس على نفس الجهاز. من الممكن أن يؤدى إلى استجابة مناعية عامة، مثل الالتهاب، مما يجعل من الصعب على الفيروس الثانى أن يسيطر. ولكن من الممكن أيضًا أن يتسبب مرضان حادان فى تفاقم بعضهما البعض.
فك مثل هذه الترابط صعب وخاصة فى وجود جائحة. فى الوقت الحالى، فإن المجتمع العلمى عازم على دراسة كوفيد ــ 19، لكن الأسئلة الأساسية حوله لا تزال بدون إجابة. لماذا يمرض البعض والبعض الآخر لا؟ ما هى الأعراض الكاملة للمرض؟ لماذا ينقل شخص واحد العدوى للكثيرين بينما آخر لا ينقل؟.. ظهور وباء ثانٍ سيزيد العبء على المجتمع الطبى لما سيترتب عليه من جهد لتحليل الوباء بشكل فردى وتحليل التفاعلات بين الوباءين.
***
فى 6 يوليو، أشارت عدة تقارير إلى أنه تم الكشف عن حالة الطاعون الدبلى فى منغوليا، شمال الصين. لم يكن علينا القلق، فالطاعون مستوطن بين القوارض فى المنطقة، وموجود جنوب غرب الولايات المتحدة. يصاب عدد قليل من الأمريكيين بالطاعون كل عام ويعالج بالمضادات الحيوية.
التهديدات التى تجذب الانتباه ليست بالضرورة أخطرها. فبينما فزع الأمريكيون من الطاعون الذى أودى بحياة شخص واحد، دمرت أسوأ ظاهرة لانتشار الجراد منذ سبعين عاما شرق أفريقيا وجنوب آسيا، وفى هذه الأثناء هزمت الكونغو الديمقراطية بعد عامين تفشى وباء الإيبولا فى شرقها الذى مزقته الحروب فقط لتواجه هجوما آخر للإيبولا فى غربها إلى جانب تفشى وباء كوفيد ــ 19.
***
تعيش جمهورية الكونغو الديموقراطية والعديد من البلدان الأخرى بالفعل ما يشبه الجائحة المزدوجة. الولايات المتحدة تتجه نحو نفس الوضع. حتى من دون وباء ثان، فموجات الإنفلونزا الموسمية قادمة. إن نفس التركيبة السكانية من الشباب التى تسببت فى العديد من حالات كوفيدــ 19 فى أمريكا ستؤدى أيضًا إلى موسم إنفلونزا سيئ، وإجراء تدريبات على مواجهة أكثر من وباء فى ظل هذه الظروف سيكون صعبا. فيمكن أن يكون لقاح الإنفلونزا أقل فعالية بسبب تغير فيروسات الإنفلونزا باستمرار، والتى يجب مراقبتها بعناية للتأكد من أن لقاح هذا الموسم يتطابق مع السلالات الموجودة حاليًا، ولكن سيصعب ذلك فى ظل وجود كوفيدــ 19 الذى يستهلك الكثير من الجهد والطاقة.
***
تعطلت البرامج العالمية التى تحارب فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا والسل وركزت عملها على مواجهة كوفيدــ19. الإمدادات تنفذ وتم تعليق برامج التطعيم فى العديد من البلدان مما أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة والكوليرا. إذا توقفت هذه المبادرات لفترة طويلة، سيفقد العالم سنوات من محاربة مرض شلل الأطفال والذى قد كان أوشك القضاء عليه.
عندما يجتمع مرضان أو أكثر ويتفاعلان تؤدى إلى ظاهرة أكبر تعرف باسم «المتلازمة». ومن سيكون عرضة للإصابة بهذه المتلازمة أو الأمراض المزمنة فى الولايات المتحدة هم السود الذين يعانون من نقص الرعاية الصحية والفقر والجوع. مفهوم «المتلازمة» مهم لأنه يذكرنا بأن الأمراض ليست مجرد نتاج للفيروسات، بل تتأثر بكل جوانب المجتمع من قيم ثقافية تختار الاهتمام أو التجاهل، إلى خيارات سياسية تحدد طريقة الاستجابة. للاستعداد الحقيقى للأوبئة، سواء وباء أو اثنين أو خمسة، تحتاج الولايات المتحدة إلى أكثر من تطوير اللقاحات والأدوية، وهذا يعنى الاستثمار فى أنظمة الصحة العامة المهملة منذ فترة طويلة لضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية، وتفكيك السياسات العنصرية التى وضعت عبء المرض على المجتمعات المهمشة.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/2WKG9JB