بين التحريم الفردى والتحريم المجتمعى
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 18 أغسطس 2018 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
يبحثُ المسلم والمسلمةُ عن الحلال والحرام. وهذا أمرٌ طبيعى يندرجُ فى بنية الإيمان بالدين نفسه؛ فهُما ــ أى المسلمةُ والمسلمُ ــ مطلوبٌ منهما بحسب هذا الإيمان، أن يتوخيا ما هو مسموح به وما هو ممنوع ليكتملَ إيمانهما. أى أن هناك قائمة من المحظورات والمُباحات جاهزة تُتَناقَل عبر أجهزة التربية الأُسرية والرسمية والإعلام ومؤسسات الوعظ والإرشاد وغيرها من قنوات. ولكنَ هذه القائمة تختلفُ من مذهبٍ فقهيٍ إلى آخر، ومن درجة اللون فى طيفِ الإسلام السياسى إلى درجةٍ أخرى. ولنأخذ لذلك مثالا «حجاب المرأة». وهو موضوعٌ أخذ مساحة كبيرة فى السجال الثقافى والإعلامى ازداد فى العقد الأخير، لاعتباراتٍ شرحناها فى مقالات سابقة.
فحجابُ المرأة (ناهيك عن النقاب) يتراوح بين الفرض والرفض؛ أى بين أنه واجبٌ وفرضٌ على المرأة، وبين من يقول بعدم وجوبه إطلاقا، أى برفض حجابِ المرأة من حيثُ هو. وجميعُ الأطرافِ المتناوئة فى الموضوع، وتلك التى تحرمُ حتى صوتَ المرأة، تستندُ إلى نصوصٍ من القرآن أو الحديث لتأكيد فكرة الحلال أو الحرام. بل إن بعضها يتناول حرمة كشف المرأة لوجهها أو لشعرها لآل بيتها من الذكور، الأب والأخ والزوجُ والابنُ والعم، ومن الذين يقولون بتحليل كشف المرأة شعرها عدد من مفكرى ومفكرات العصر الراهن وأهل الفقه فيه (شحرور، الجابرى، البنا، البحيرى...).
إذن، فحجابُ المرأة مسألةٌ فقهيةٌ مختَلَف عليها من داخل القراءة الإيمانية لا من خارجها، فجميعُ من قال بعدم الوجوب، ناقشَ الأمر انطلاقا من صحة العودة إلى النص كمنظمٍ لحياة من يؤمنُ به. ولكنَ الشائعَ الآن فى المجتمعات العربية وذات الأغلبية المسلمة، أن الحجابَ فرضٌ على المرأة، وللذكر فى عائلتها حقُ مراقبة ذلك والحسابُ عليه. بل يمكن أن يمتدَ مفهوم الحجاب إلى حجابِ الطفلات وحتى الرضيعات، وإلى تحريم تعليم المرأة، وعملها، وخروجها من بيتها، والاختلاط بالرجال، بل ودفنها فى مقابر مختلطة! وأسباب هذا الشيوع معلومةٌ ونوقشَت فى غير موقعٍ ومناسبةٍ، ولا يحسنُ الخوضُ فيها الآن.
وبغض النظر عن أنَّ المعارك بين أطراف السجال كانت تنتهى دوما بتكفير هذه (الفئة الضالة صاحبة الأجندات الغربية والصهيونية!!)، إلا أنَّ ما يعنينا هنا التمييز بين التحريم الفردى والتحريم المجتمعي؛ أى بين أن أعتقد أن كشفَ شعر المرأة حرامٌ فأحرصَ على تغطية شَعرى، وبين أن أعتقدَ أن على جميع النساء المسلمات أن يغطين شعورهن، بقوة الردع المجتمعية، فأهاجمَ من تكشفُه بل وأكفرها. والحقُ أن قوةَ الردع المجتمعية قد نمت بالتوازى مع نمو الإسلام السياسى بأطيافه المعتدلة والمتشددة؛ فصارت النساء مزوداتٍ بأدوات هجومٍ على غير المحجبة، يرمقنها بالنظرات المستغربة، إن غاب عنهن التعليق والسؤال إذا ما كانت مسلمة؟ بل يمكن أن تتعرض السافرة إلى عباراتٍ خشنةٍ من شبابِ المارة، فى الشارع أو على مواقع التواصل الإلكترونية. حتى يمكن القول إن السفور غدا، مجتمعيا، عنوانا على الكفر والإلحاد والعلمانية (!!). وابتغاءَ التوازن، سأذكرُ أن الحجابَ نفسه قد غدا عند بعض الفئاتِ العلمانية عنوانا للتخلف والظلامية، فتحريمه يشبهُ تحريم السفور على أهل الحجاب والنقاب، وإن كان صدى لما تصدرُ آلة التكفير فى الضفة الثانية. وليس هذا موضوعنا الآن.
وإذن، فإن تحريم السفور على المرأة قد انتقلَ تطبيقُه من التحريم الفردى إلى التحريم المجتمعى، من دون أن يحسمَ النصُ ذلك. فالتحريمُ المجتمعى، الذى لا يكفُ عن الدعوةِ إليه دعاةٌ وكلياتٌ ومؤسسات دينية ومنابر، له ارتباطٌ وثيقٌ بالدعوةِ إلى فكرة الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة بديلا لما يسمى اليوم «الدولة المدنية».
دعونا لا نفقد الأمل!
زليخة أبو ريشة
الغد ــ الأردن