وشوشة الورق

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 18 سبتمبر 2022 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

لا تزال تدهشك اللحظة بتفاصيلها؟ رغم أنهم يكررون عليك، ولما الاستغراب أو الاستعجاب، ويعددون كل المفردات العربية لنفس ذاك المعنى والهدف هو كونهم لا يصدقون أننا لا نزال نتفاجأ ببعض ما يحصل أو حتى بنتائج فعل من كان قبلهم؛ سلطة أو جمعية أو مجموعة أو حتى شلة صغيرة.
• • •
هم يتصورون أن المطلع على بعض الأمور ليس بحاجة إلى كثير من الذكاء أو العلم أو النباهة ليتصور نتائج نفس تلك السياسات أو التصرفات أو الممارسات، ألم تكن هناك أحداث كثيرة مثلها وقد دونها البعض حتما «إذن لما الاستغراب والدهشة؟»، ألم يقل وينستون تشرشل منذ زمن بعيد عندما تكرر نفس الفعل فلا بد أن تكون النتائج متطابقة؟ أى لا تتصور أن الخواتيم مختلفة والفعل نفسه! رغم كل ذلك من تحضير لا تستطيع أن تقاوم دهشتك من هول ما نعيش فى هذه البقعة الصغيرة من سطح الأرض، خاصة وأن تنقلك بين بلدان ومدن مختلفة قد أوصلك إلى يقين أنهم جميعا يمارسون نفس السياسات ويعيدون تكرارها وتوزيعها أو كما يقول بعض أهل الشام «كلهم دارسين عند نفس الشيخ». رغم أن الحقيقة أنهم لم يدرسوا، ففى ذلك تعب وإرهاق لا يتلاءم مع حجم مواقعهم ومكانتهم فى الدولة أو فى المجتمع.
• • •
تبدو دول المنطقة مصابة بنفس الداء والذى امتد ليصل إلى كثير من منظمات المجتمع المدنى أو الجمعيات الأهلية. تعود لدهشتك رغم أنهم قالوا لك وأكثروا من الوصف بأن الداء منتشر فقد تغلغل إلى كل المستويات أفقيا وعموديا ولم يسلم منه إلا أقل القليل أو ربما لا أحد!
• • •
هناك هوس المناصب حتى لو كانت حقيرة، أو ربما الأفضل أن نصفها بالبسيطة أو غير الفعالة رغم أن وصفها الوظيفى جميل جدا على الورق فقط لا غير. فالتحضير لانتخابات برلمانية هنا وهناك قد أتت بأسماء فى معظمها تبحث عن البروز رغم أن كثيرا من الناس فى أوطاننا لا يعرفون أسماء نوابهم وأحيانا حتى وزرائهم المتنقلين بين حقيبة وأخرى أو هم ربما «عباقرة هذه المرحلة» التى لا يمكن وصفها بأكثر من أنها تافهة ومليئة بالسخف! المضحك أن منهم من يردد «أترشح نزولا عند رغبة المواطنين» فتعود عليه أو عليها التعليقات بقهقهات تأتى من بقاع الأرض كافة، أى مواطن طالب بالنكرات أن تجلس فوق مقاعد وفى قاعات صممت لتكون صوت الشعب أو بعضا منه فتحولت إلى مهرجانات وبهرجات وجعجعات بل وفى كثير من الأحيان تجميل لصورة مليئة بالقبح. قد يكون من المفيد أن يذكرهم المختصون بأن صناديق الاقتراع ليست هى الديمقراطية أو مشاركة الشعب. المؤلم أن صوت الناس تم طمسه ليتحول إلى رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعى فى معظمها يضيع السمين فيها بين كثير وكثير من الغث والسفه.
• • •
وهذا الداء لم يعد قصرا على الباحثين عن منصب وزير أو وكيل أو نائب أو نائبة، بل تحول ليكون طموح بعضهم رئيس أو رئيسة لجمعية مختصة أو خيرية وهى فى مجملها جمعيات شكلية لا لون لها أو ربما نزع منها اللون فأصبحت باهتة مثل ذاك المشهد العام!
• • •
يقولون منذ القديم إن العبد كثيرا ما يقلد مستعبده ولا يعرف ممارسات إلا تلك التى مورست عليه، وها هى كثير من الجمعيات الأهلية فى معظم «بلاد العرب» قد أصيبت بداء حكوماتها وسلطاتها وحاكميها. وإلا فأموال المانحين تخط لها اتجاهاتها وتغيرها حسب رغبات واهتمامات وسياسات تلك الجهات المانحة وهذه سقطة إن لم نشأ تسميتها بخطأ أصاب حتى منظمات الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها المختلفة.
• • •
المؤسف جدا أن بعض تلك المنظمات التى فرخت عشرات مثلها أو شبيهة لها هى المعنية بتقديم تقارير الظل ورقابة الحكومات فى أدائها تجاه احترام الاتفاقيات الدولية التى صادقت عليها حتى ولو كان ذلك ببعض التحفظ أحيانا ووضع الملاحظات فى أحيان أخرى.
• • •
كيف تستطيع منظمات المرأة فى أوطاننا أن تكتب تقارير عن أوضاع النساء والقائمات على تلك المنظمات بعيدات، إلا فيما ندر، عن معاناة المرأة فى بلادنا؟. أليس من المشين ألا تزال النساء قاصرات فى نيل بعض من تلك الحقوق البسيطة التى يتمتع بها الرجال مثل حق المواطنة أى أن تمنح الأم أبناءها الجنسية؟ أو حتى حقها المساوى فى الترقى ونيل المناصب العليا حسب الكفاءة وليس لتجميل تلك الصورة، فكثيرا ما نرى تقارير عن حكومات بعدد كبير من النساء أو نساء يترأسن جمعيات وشركات فقط «للديكور» وكأنهن مخلوقات جامدة فى برواز للوحة رسمها البعض فى خيالهم متصورين أنهم بذلك يبهرون العالم بتحضرهم ومواكبتهم للتطورات أو ربما فقط للقول بأننا «بخير جدا» ونعمل على مشاركة شعوبنا فردا فردا فى كل صغيرة وكبيرة أما نساؤنا فهم واجهة «الفترينة» ألا ترونهن؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved