اللجوء المناخي
بشير عبد الفتاح
آخر تحديث:
الإثنين 18 سبتمبر 2023 - 7:05 م
بتوقيت القاهرة
وفقا للتعريف الأممى، المعتمد قانونا بموجب «اتفاقية وضع اللاجئ» للعام 1951، والبروتوكول المكمل لها سنة 1967؛ فإن اللاجئ هو «كل شخص يدفعه خوف، له ما يبرره، من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه، دينه، جنسيته، انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو آرائه السياسية، نحو الفرار خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد، بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد». وقد بلغ عدد النازحين قسرا حول العالم، منذ مطلع العام الحالى، 110 ملايين شخص، لأسباب تتراوح ما بين، الاضطهاد، والصراع المسلح، والعنف، والانتهاكات، والأحداث الخطيرة المخلة بالنظام العام. وبحسب «تقرير الاتجاهات العالمية للنزوح القسرى 2022»، الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، يقبع 76% من اللاجئين والمحتاجين إلى حماية دولية، فى بلدان متوسطة ومنخفضة الدخل.
على وقع الاضطراب المتنامى فى مستويات الأمن المناخى، ابتكر الخبير البيئى الأمريكى، ليستر براون، عام 1976، مصطلح «اللاجئ البيئى».
بدورها، تعرف المنظمة الدولية للهجرة، «المهاجرين البيئيين»، بأنهم أشخاص، أو مجموعات بشرية، تضطرها أسباب قهرية، تتعلق بالتغيرات المفاجئة، أو التدريجية فى البيئة الطبيعية، وتؤثر سلبا على حياتهم أو ظروف معيشتهم؛ مثل: ارتفاع مستوى سطح البحر، الأحداث المناخية القاسية، الجفاف، ندرة المياه، التصحر، تعطيل أنماط الطقس الموسمية، ملوحة الأراضى المروية، ونضوب التنوع البيولوجى؛ إلى مغادرة منازلها الاعتيادية، والفرار إلى دولة أخرى، أو الهجرة داخل بلدانهم.
يؤكد خبراء المناخ أن نطاق الطقس المتطرف وتواتره آخذان فى الازدياد. ففى حين اتفقت دول العالم فى باريس عام 2015، على تجميد ارتفاع متوسط درجات الحرارة على المدى الطويل، عند 1.5 درجة مئوية؛ توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فى مايو الفائت، أن يتجاوز المتوسط السنوى عتبة 1.5 درجة مئوية لمدة عام كامل على الأقل، حتى عام 2027، جراء عدم التزام الدول وفشلها فى وضع أهداف أكثر طموحا.
وفى عام 2018 وحده، سجلت الأمم المتحدة 17 مليون حالة نزوح جديدة مرتبطة بالكوارث الطبيعية فى 148 دولة وإقليم. وتشير المنظمة الدولية للهجرة، إلى اضطرار نحو 265 مليون شخص، لمغادرة منازلهم خلال الفترة ما بين 2008 و2018، بسبب المآسى المناخية. وخلال العام الحالى، اجتاحت أرجاء المعمورة، موجات من الجفاف والأعاصير، التى أودت بحياة مئات الأشخاص. إذ يعيش 40 % من سكان الأرض، بما يقدر بنحو 3.5 مليار نسمة، فى بيئات أكثر عرضة لتأثيرات تغيرات المناخ.
ووفقا لتقرير أصدره مركز مراقبة النزوح الداخلى، تجاوز عدد النازحين حول العالم أربعين مليون شخص، جراء الصراعات، والكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخى.
وتتوقع الأبحاث البيئية، أن يضطر نحو 250 مليون شخص، بحلول عام 2050، إلى النزوح والبحث عن ملاذات بديلة، بسبب الكوارث المترتبة على تغير المناخ، بمعدلات تفوق معدل الهجرة بجريرة النزاعات المسلحة. وأن تصبح أعداد اللاجئين البيئيين، ستة أضعاف عدد اللاجئين السياسيين، وأن يشكل اللاجئون البيئيون غالبية اللاجئين القسريين.
تؤدى تداعيات التغير المناخى إلى تطور النزاعات بين الدول، بما يستتبع تفاقم أعداد اللاجئين. ويأتى اللاجئون، والنازحون داخليا، وعديمو الجنسية، فى مقدمة المتأثرين بحالات الطوارئ المتصلة بالمناخ. حيث يعيش الكثيرون منهم فى بؤر مناخية قاسية، ويفتقرون عادة، إلى الموارد التى تخولهم التكيف مع بيئة تزداد قساوة. وانطلاقا من العلاقة الديناميكية بين النزاعات المسلحة، وتغير المناخ، يتوقع البنك الدولى أن تمثل النساء 80 % من طالبى اللجوء والنزوح، المدفوعين بتغير المناخ، خلال السنوات المقبلة. لذا، يحذر من أن تفضى تبعات التغير المناخى، إلى انهيار البنى التحتية وأدوات الحوكمة، بما يسهم فى زيادة معدلات الاتجار بالبشر، خصوصا النساء.
فى سفرها المعنون: «عصر الرحل: كيف ستشكل الهجرة المناخية عالمنا؟»، تربط، جايا فينس، ما بين استمرار الارتفاع فى درجة حرارة الكوكب، وتعاظم حالات الهجرة الاضطرارية واللجوء المناخى من آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، إلى دول الشمال. وهو ما يستلزم مقاربة تعاونية دولية متكاملة، للتعامل مع أصداء التغيرات المناخية. مع توفير ما يلزم من تمويل ميسر طويل الأجل، واستثمارات بمشروعات تبنى على التكامل بين العمل المناخى؛ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التى ينبغى رسم سياسات الهجرة، سواء للدول المصدرة أو المستقبلة، فى إطارها.
ليس الشرق الأوسط بمأمن من اللجوء المناخى. إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة، تزايد التصحر والجفاف، فى إطلاق موجات لجوء وهجرة، ستظل مرشحة للتفاقم بعدما تغدو بقاع شتى غير صالحة لمعيشة الإنسان والحيوان بحلول عام 2050. ففى العراق، بلغت نسبة التصحر 70 %، جراء نقص الإمدادات المائية القادمة من إيران وتركيا، مما فاقم النزوح المناخى من جنوب البلاد إلى شمالها. ويتوقع البنك الدولى أن يجد نحو 19 مليون شخص، بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنفسهم، مضطرين إلى النزوح واللجوء، بسبب تغير المناخ. وتعد أفريقيا من أكثر مناطق العالم معاناة من النزوح المناخى، كونها أشد عرضـة لمخاطر التدهور البيئى.
ومن المرجح أن تتسبب الضغـوط البيئيـة الحالية والمستقبلية فى تنامى معدلات الهجرة الداخلية بمصر، من البيئـات الريفية إلى الحضرية، أو تلك، التى تواصل النمو الزراعى. كما يمكن للنزوح أن يتجاوز الحدود، مع تزايد الضغوط البيئية. ما قد يتسبب فى تدهور البنية الاقتصادية؛ وتدنى مستوى الرفاهية الاجتماعية.
وفى ظل توفر طرق الهجـرة الثابتة من أفريقيا إلى مصر، تزامنا مع استمرار التدهور البيئى، ستتنامى طلبات اللجوء المناخى من الخارج، مما يضاعف الأعباء على كاهل الدولة المصرية.
رغم اتساع مفهوم «اللاجئ»، منذ اعتماده، عام 1951، لا يزال اللاجئون المناخيون، مفتقدين نفس الحماية القانونية، التى يتمتع بها اللاجئون التقليديون. وبينما لا يعترف القانونى بمصطلح «اللجوء المناخى» رسميا حتى الآن، تبرز مطالبات واسعة باعتبار التغيرات المناخية مسوغا لقبول طلبات اللجوء. ففى سبتمبر الماضى، دعت الأمم المتحدة، إلى هذا الأمر، مراعاة للآثار المدمرة لأزمات الكوكب الثلاث، المتمثلة فى: تغير المناخ، التلوث، وخسارة مساحات طبيعية، بما يمثل أكبر تهديد منفرد لحقوق الإنسان عالميا. وفى العام الماضى، أصدرت لجنة حقوق الإنسان الأممية، حكما تاريخيا، يطالب الحكومات والدول، بمراعاة تداعيات التغير المناخى، قبل اتخاذ قرار ترحيل طالبى اللجوء. وهو الأمر، الذى يسمح بقبول طلبات اللجوء لأسباب بيئية ومناخية مستقبلا.
لم يفض إقرار الميثاق العالمى للاجئين، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية 2018، بمسئولية العوامل المناخية والكوارث الطبيعية عن تزايد موجات اللجوء، إلى بلورة تعريف، متفق عليه عالميا، أو ملزم قانونيا، لمصطلح «لاجئى المناخ». فوفقا لمكتب مفوض الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، لم يعتمد المصطلح من لدن القانون الدولى. ومن ثم، تتجنب المفوضية استخدامه، تجنبا للمسئولية القانونية. واستنادا إلى دراستها المعنونة: «فى مهب الخطر»، الصادرة عام 2020، تعتقد المفوضية، أن المصطلح الأدق هو «الأشخاص المشردون أو النازحون فى سياق الكوارث وتغير المناخ». كما يقترح قسم الهجرة والبيئة والتغير المناخى بالمنظمة الدولية للهجرة، استخدام مصطلح «هجرة مناخية»، وليس «لجوء مناخى». لأن الأخير يتطلب تعديل اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951، ما قد يضعف وضعية اللجوء الممنوحة للهاربين من الاضطهاد والعنف.
ثمة حالات لجوء مناخى، تخضع لتطبيق معايير اللاجئين، الواردة فى اتفاقية 1951، أو تلك الأوسع نطاقا، الواردة فى الأطر الإقليمية لقانون اللاجئين. فعلى سبيل المثال، قد يحق للأشخاص طلب صفة اللجوء، فى حال تداخلت تبعات تغير المناخ مع النزاعات المسلحة والعنف. وتقترح دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوى عام 2012، معالجة الهجرة المناخية كجزء من أجندة التنمية، علاوة على استيعاب المهاجرين، أو المقيمين بالمناطق المعرضة للمخاطر البيئية. كذلك، يقر الميثاق العالمى للاجئين، الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 2018، بأن الكوارث المنبعثة من التدهور المناخى والبيئى، تؤثر، بشكل متزايد، فى تحركات اللاجئين. وإلى جانب آلية «إعادة التوطين الوقائى»، تبرز «منصة النزوح المتعلق بالكوارث»، وهى مبادرة تقودها الحكومات دعما لتطبيق أجندة الحماية جراء النزوح المترتب على الكوارث. وفى السياق، تأتى خطة الأمم المتحدة لإنشاء نظام إنذار مبكر، بتكلفة تتخطى ثلاثة مليارات دولار، لحماية سكان الأرض من الكوارث المناخية بحلول العام 2027.
بينما يظن رهط من الخبراء البيئيين، أن اعتماد القانون الدولى لمصطلح «اللجوء المناخى»، بات مسألة وقت، يستبعد نفر آخر حدوث ذلك فى المدى القريب. أما المؤرخ الألمانى، يوجن تسيمرير، الذى يحمل الغرب «مسئولية تاريخية» تجاه العالم الثالث، بجريرة الحقبة الاستعمارية، فيرى أن الحل الوحيد لإيقاف الهجرة المناخية إلى بلدان الشمال، إنما يكمن فى العدالة الاجتماعية والمناخية، عبر معاونة المجتمع الدولى البلدان الطاردة للمهاجرين، على التصدى لتداعيات التغير المناخى، وتوفير حياة كريمة لمواطنيها.