أمريكا وإستراتيجية تسكين سيناء
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 18 أكتوبر 2013 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
قبل اعلان الإدارة الأمريكية عن وقف معظم مساعداتها العسكرية للقاهرة الأسبوع الماضى على خلفية تردى الأوضاع الأمنية والسياسية والحقوقية فى مصر، شدد تشاك هاجل، وزير الدفاع الأمريكى، لنظيره المصرى الفريق عبدالفتاح السيسى، على أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدة فى القضايا التى تخدم الأهداف الأمنية الحيوية للجانبين بما فى ذلك مكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة وتأمين الحدود والأمن فى سيناء.
وهكذا استثنت واشنطن المساعدات المتعلقة بتأمين سيناء وحدودها من أى تخفيض أو تجميد طبقته على المساعدات الأخرى. وتدرك واشنطن جيدا أن سيناء تعد حجر الأساس للتصور الأمريكى للأمن الإقليمى فى الشرق الأوسط كله، لذا تدعم بشدة جهود تأمين سيناء، وامتداد سيطرة الحكومة المصرية إليها. وتدرك واشنطن أن سيناء وما لها من حدود مع إسرائيل تمتد 250 كيلو المعيار الأهم لحرب العرب أو سلمهم مع إسرائيل.
•••
من هنا تأتى أهمية تقرير قُدم للكونجرس قبل نهاية العام الماضى ذكر فيه أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات لمصر مساهمة منها فى تأمين سيناء، وذكر التقرير أن واشنطن «تدعم مصر فى تأمين سيناء عن طريق إمدادها بمعلومات استخباراتية، بما فى ذلك من رصد مكالمات هاتفية ورسائل تبث عن طريق الراديو بين المشتبهين بالقيام بأنشطة إرهابية، وذكر التقرير أيضا «أن واشنطن تطلع مصر على صور تلتقطها أقمار صناعية وطائرات تجسس أمريكية». إلا أن التقرير أشار أيضا إلى أن الولايات المتحدة ترصد كذلك أى تحرك للقوات المصرية داخل سيناء!
ويدلل ما ذكره التقرير على أهمية شبه جزيرة سيناء للاستراتيجية الأمريكية. وينبع ذلك من كون سيناء ساحة قتال كل الحروب المصرية ــ الإسرائيلية منذ 1948 وحتى 1973، كما تعكس عزلة سيناء الجغرافية، إضافة لموقعها الرابط بين دول مهمة مثل مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل والسعودية، بعدا آخر لأهميتها زاد منها وصول تنظيم حماس عام 2006 للحكم فى قطاع غزة الذى ألقى بدوره الضوء على محورية سيناء المجاورة.
•••
وتدرك واشنطن جيدا أنها خسرت علاقاتها مع القاهرة عندما خسرت مصر سيناء، وعادت العلاقات المصرية ــ الأمريكية بعدما عادت سيناء لمصر. وتدرك أيضا أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تعد بمثابة الإنجاز الأكبر فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية فى الشرق الأوسط، فقد منعت المعاهدة، وما ترتب عليها من استرجاع مصر لسيناء، الانجراف نحو مواجهة عسكرية عربية إسرائيلية واسعة لأكثر من ثلاثين عاما.
إلا أن واشنطن ترى أيضا أن فراغ السلطة فى سيناء، الذى ظهر بصورة أكثر وضوحا مع الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسنى مبارك، قد سارع وملأه متطرفون من داخل مصر وخارجها ممن انضموا إلى البدو المحليين الذين يشعر الكثير منهم بالظلم من طريقة معاملة الحكومة المركزية فى القاهرة لأبنائهم. وترى واشنطن أنه وللمرة الأولى يشهد أهالى سيناء تأثر شبابهم بالأيديولوجية السلفية الراديكالية، إضافة لتعاونهم بشكل وثيق مع تنظيم حماس، وغيره من الجماعات الفلسطينية (التى تصنفها واشنطن بالإرهابية) فى قطاع غزة.
وتؤمن واشنطن أن السلطات المصرية فقدت سيطرتها التقليدية على أجزاء كبيرة من سيناء فأصبحت شبه الجزيرة مساحة يكتنفها الغموض. فمنذ سقوط الرئيس حسنى مبارك هاجمت جماعات مسلحة العشرات من مراكز الشرطة ونقاط التفتيش والمصالح الحكومية، كما تم تخريب خط أنابيب الغاز بين مصر وإسرائيل فى شمال سيناء خمس عشرة مرة.
وتنزعج واشنطن من أخبار سقوط ضحايا بصورة يومية من بين صفوف الجيش أو الشرطة أو المدنيين أو أفراد جماعات إرهابية.
كذلك تنظر واشنطن بجدية لما يتعرض له من اعتداء أفراد القوة متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين، وهى القوة المسئولة عن مراقبة الالتزام بالترتيبات الأمنية الواردة فى معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية فى سيناء. ويبلغ عدد تلك القوات ما يقرب من 1700 جندى أغلبهم من الولايات المتحدة. ووفقا لبيان قائدها العام، فقد تعرض أفراد القوة للاستهداف فى 187 حادثة إطلاق رصاص بالذخيرة الحية ما بين يناير ومايو من هذا العام فقط.
•••
ومنذ عودة سيناء، التى تبلغ مساحتها 61 ألف كيلومتر مربع، أو ما يزيد على ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل، كاملة للسيادة المصرية عام 1982، أهملت القاهرة سيناء لأسباب غير مبررة. كما تعاملت الحكومات المصرية خلال السنوات الأخيرة باستخفاف مع تقارير إعلامية أشارت إلى تزايد وجود متطرفين فى سيناء، وشاهدنا كذلك الاستخفاف بإعلان إقامة «إمارة شبه جزيرة سيناء»، وانتشار هذا الإعلان وتوزيعه فى شوارع العريش خلال أغسطس 2011. واستخفت الحكومات المصرية كذلك بأخبار تحول كثير من قبائل بدو سيناء فى المناطق الوسطى والشمالية إلى ميليشيات مسلحة، واحتراف تهريب المخدرات والإتجار بالبشر، إضافة إلى صفقات تهريب الأسلحة على نطاق واسع خاصة بعد سقوط نظام القذافى فى ليبيا. ويزيد الموضوع تعقيدا عدم اعتراف أهالى سيناء بالحدود السيادية الدولية.
صحيح أن الفراغ الأمنى ليس وليد ما حدث للرئيس الإخوانى محمد مرسى، إذ عرفت سيناء الإرهاب من خلال هجمات 2004 ــ 2006 فى طابا وشرم الشيخ ودهب.
•••
استقرار سيناء قد يساعد على خدمة مصالح واشنطن، إلا أن الخيار الأمنى أو العسكرى لتأمين سيناء هو أبعد من أن يكتب له أى نجاح فى تحقيق المصالح المصرية. تأكيدات وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى «أن القوات المسلحة لن تسمح بوجود أى خطر يهدد سيناء، وأن أبناءها مستعدون للتضحية بأرواحهم ودمائهم من أجل أن تظل سيناء جزءا من مصر لا تنفصل عنها أبدا». نعم الاستعداد للتضحية بالدماء من أجل سيناء شىء نبيل، إلا أنه لا يغير من واقع شبه الجزيرة الأليم والمخيف شيئا، الذى يجب أن يبدأ بمنح أهل سيناء ما يريدون من حقوق داخل أراضيهم وأراضى أجدادهم.