ميت رهينة فى 2030.. كما تحكى عنها جميلة
نبيل الهادي
آخر تحديث:
السبت 18 ديسمبر 2021 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
قبل أن تغادر جميلة شقتها الواقعة فى الدور الثانى لتلحق بعملها فى مدرسة الجابرى الابتدائية، اطمأنت على مزروعاتها من الطماطم والنعناع المعلقة فى الأصص الخشبية أمام نافذتها، واطمأنت على تربتها ودرجة رطوبتها. تتذكر وهى خارجة من بيتها وتمشى فى الشارع الضيق كيف كان وكيف أصبح اليوم بعض زراعة الكثير من النباتات على جدران البيوت خاصة فى الدور الأرضى وكيف حسّن ذلك من جودة الهواء الذى تتنفسه، كما أضاف الكثير من البهجة والحياة لم تكن به من قبل. تمشى إلى مدرستها بجوار المصرف الزراعى فى جوار شجر الصفصاف المتوسط الارتفاع والتى زرعت مع العديد من الأشجار والنباتات التى كانت تنمو على جوانب المصارف الزراعية والترع وتمر على أجزاء فى المصرف مغطاة بالخلايا الشمسية التى تولد طاقة لإضاءة هذا الشارع الأخضر ليلا، والذى تحول إلى محور للحياة والجمال الطبيعى بعد أن كان مكبا للنفايات ومصدرا للملوثات والأمراض.
تتذكر جميلة كيف أن استضافة مصر لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين الخاص بالتغير المناخى فى عام 2022 كانت نقطة هامة فى رحلة ميت رهينة نحو التجدد والازدهار، وكيف أن عرض الرؤية المتجددة مصحوبة بالاقتراحات الأولى من قبل الباحثين من جامعة القاهرة لاقت تفهما ودعما ليس فقط من جمهور الحاضرين من أنحاء العالم المختلفة، ولكن الأهم من المسئولين المحليين، ليس فقط لأهميته لمصر ولكن أيضا للعديد من البلدان التى تتشابه أحوالها معنا. وكيف أن هذا العرض تبعه عرض آخر فى المساحة المفتوحة فى متحف ميت رهينة بحضور جمع كبير من سكان القرية والمهتمين بأحوالها، وكيف أن النقاش الذى حدث فى ذلك اليوم لم يؤد فقط لتطوير الرؤية وتحسينها، بل إنه ساهم فى تحويلها إلى خطة أولية يدعمها نسبة كبيرة من السكان. كما تتذكر كيف أن النقاش مع المعترضين على بعض جوانب الخطة التى أبدوا تحفظاتهم عليها ومخاوفهم منها أدى إلى أن يراجع الفريق البحثى بعض الجوانب، وكيف أن أخذ تلك الاعتراضات والمخاوف بجدية أدى إلى تطوير الرؤية وما يتبعها من خطة بصور أفضل.
فى نهاية يوم عملها بالمدرسة قابلت جميلة حسن ابن جارتها، الطالب فى الصف الثالث الابتدائى، الذى أخبرها أنهم قد أكلوا فى وجبة الغداء الساخنة اليوم طبقا من البطاطس المنتجة من المزارع القريبة، كما أعجبه مذاق السلطة الخضراء التى أخبروه أنها تنتج على سطح مدرسته. وكان سعيدا جدا أيضا لأن والدته أصبحت تعد لهم طعاما يسترشد بالوصفات التى يتيحها مطبخ المدرسة على موقعهم على شبكة المعلومات، والذى يتضمن معلومات كثيرة و متنوعة عن إعداد الأكل الصحى بطرق سهلة، كما يحتوى على موضوعات عما كان يتناوله قدماء المصريين. ولما سألته عما تعلم اليوم وعن درجاته، أخبرها بأنه قد حقق تقدما وحصل على درجات متقدمة، ولكن ما جعله يشعر بالسعادة أكثر إعجاب مدرسة العلوم به فى الحصة التى صحبهم فيها للحقل الصغير المجاور والذى تعلموا فيه عن الديدان ودورها الهام فى صحة التربة والغذاء الذى نتناوله. وفى نهاية الحصة قام برسم الدودة وتسميتها وهو ما أثار إعجاب المدرسة والطلبة من كل زملائه وزميلاته، وصفقوا له وشجعوه على رسمه وذكائه.
•••
فى برنامجها للغد زيارة لمتحف ركن فاروق فى الشاطئ الشرقى للنيل وتذكر كيف أن الطريق الواصل للمعدية أصبح طريقا تصطف فيه الأشجار الأصلية والشجيرات، ولا تسير فيه سوى المركبات الكهربائية، حتى تلك الميكروباصات التى تنقل الناس من البدرشين وحتى قرية سقارة. والمعدية نفسها أصبحت تعمل بالطاقة الشمسية وأصبحت تنطلق بانتظام كل عشرين دقيقة تماما لتربط الضفتين بكفاءة، كما أصبح ميناء المعدية يستقبل المراكب الشراعية الشمسية التى تأتى من أمام مقياس النيل فى رحلة تستغرق ساعتين للزائرين الأجانب والمصريين، وكيف أن تلك الرحلة محجوزة بصفة مستمرة لما توفره من تجربة رائعة عن النيل والحياة على ضفتيه بالإضافة للهدوء العظيم والهواء النظيف.
•••
روى أشرف خطيب جميلة لها كيف أنه يعمل مع الفريق الذى يدير موقع المعرفة على منصة متحف ميت رهينة الرقمية، ويحكى لها كيف أن تأسيس تلك المنصة الرقمية كانت واحدة من أهم الخطوات التى ساهمت فى تحويل المتحف من مجرد مكان يقصده الزوار وليس له علاقة بالناس فى ميت رهينة إلى مؤسسة تعمل أساسا لخدمة وتنمية المجتمع المحيط. ويحكى لها كيف أنه سمع من مدير المتحف كيف أن عدد ونوعية الزوار للمتحف اختلفوا تماما بعد إنشاء تلك المنصة من قبل تعاون بين جمعية محلية فى ميت رهينة مع جمعية دولية مهتمة بالحفاظ على الآثار ومساعدة السكان المحليين والحفاظ على البيئة وبدعم من بعض سكان المنطقة وسكان القاهرة وجامعة القاهرة.
تدرك جميلة الآن أنها تستطيع أن تحلم لأطفالها بمستقبل أفضل لأنهم سيكونون قادرين على التعلم بصورة تكاد تقترب من أفضل الأماكن فى العالم، وتتذكر كيف أن إضافة المنصة الرقمية للمتحف مكنت تلاميذ مدارس ميت رهينة من التعرف على التاريخ بصورة أفضل، ومكنهم المتحف من خلال الأنشطة المختلفة التى يستضيفها ويدعمها من أن يفهموا الواقع الذى يحيط بهم بصورة أفضل، كما أتاح لهم المشاركة فى النقاش مع طلاب فى سن متقاربة من أنحاء مختلفة من مصر ومن العالم أيضا. وكيف أنه نتيجة لهذه المنصة الرقمية النشيطة للمتحف أصبحت المدرسة من أحب الأماكن إليهم. كما تعرف جميلة أن أيا من أطفالها سيدرك أنه تبعا لقدراته وذكائه واجتهاده يمكنه أن يختار لنفسه ما ينوى دراسته وما يستطيع عمله وأنه سيكافئ طبقا لذلك.
لا تزال جميلة ترى أن هناك الكثير لعمله، ولكنها ترى التحول فى حياة القرية وناسها، وكيف أنها أصبحت مكانا يحب الناس أن يعيشوا ويحلموا فيه بمستقبل أفضل.
أستاذ العمارة بجامعة القاهرة