لابد من المصارحة
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 18 ديسمبر 2022 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
لا حديث فى المدن اليوم أكثر تكرارا من الحديث عن العوز والغلاء والفقر الذى أصبح أكثر انتشارا من الكوليرا والكورونا وإنفلونزا الخنازير والطيور أيضا.. كل زوايا الوطن الكبير والصغير تحمل صراخ المقهورين والمقهورات هنا وهناك حتى لو كان الصراخ دون صوت أو «أخرس» بكاتم الصوت المعتاد!
• • •
العربات محملة بالأطفال ومزينة بأعلام البلاد وهى تجرى مسرعة نحو مراكز الاحتفالات هنا وهناك إما بأعياد البلاد الوطنية أو بالأعياد الدينية وغيرها.. والناس تبحث عن مساحة للفرح فإن لم يكن لهم فربما لأطفالهم خاصة أن هناك شحا فى الفرح قبل السعادة.
• • •
يافطات ضخمة تحمل شعارات مهنئة وبينها يافطات أخرى تشير إلى عملية مكافحة الفساد وهو ربما التشخيص الأول لذاك المرض الذى اسمه إفقار وتهميش الناس فى أوطاننا، بل هو ربما «المجرم» الأول فى دهاليز القرارات التى إما أن ترفع بلدا وتنعش اقتصاده فى وقت تشهد الاقتصادات العالمية تحديات كبيرة، أو أن تنزل به تدريجيا إلى آخر سلم التنمية والتطور والحياة الكريمة سواء للمواطنين والمواطنات، أو للقادمين!
• • •
بين كل ذلك تبقى بضعة أصوات لا زالت ترتفع بين الحين والآخر فى عتمة ذاك الظلام الدامس والصمت حتى الخوف من الكلام فى السر.
تأتى الأصوات فيفرح البعض رغم أن الكثير منا يدركون أن هذا الخطاب لا يتلاءم مع كل ما حدث من تطورات فى السياسات العامة والحال شبيهة بالإنتربول وهو يكافح تجار المخدرات. فكلما حاول أن يدرك ما طوروه من أساليب كلما اكتشف أنه لا يزال متأخرا عن مواكبة تطوراتهم. وهذا هو الحال مع المعارضات فى دولنا، تبقى أسيرة خطاب قديم جدا إن لم يكن قد عفى عليه الزمن ولذلك فلا يملك القدرة على استقطاب أو شد انتباه أو اهتمام الأفراد متوسطى العمر قبل الشباب.. فتشيخ المعارضات وتبقى السلطات شابة فى أساليبها المتحايلة والمبتكرة فى النهب للثروات وللخيرات واستغلال أكبر وأكبر!
• • •
عندما اندلعت الانتفاضات فى زوايا الأوطان الممتدة على خارطة التخلف والظلم والقمع، كان السؤال المتكرر أمام المتظاهرين والمتظاهرات لماذا لا تزال حركات المعارضة دون أطر واضحة ورسائل ومطالب أيضا وطرق حديثة للإقناع قبل التواصل الفج عبر وسائل التواصل الحديثة، فهذه التى قيل إن لها الفضل الأول فى اندلاع التظاهرات التى تحولت إلى انتفاضات أو ثورات أو حروب، لم تكن قادرة على نقل الحوار إلى مراحل أكثر ذكاء وجدلا ولم تستطع أن تستقطب أعدادا أكبر من الجماهير المعتادة، كما أنها لم تعرف كيف تطور الحدث وهذا دون إنكار كم القمع الذى مورس على الناس أى المواطنين الذين تحولوا فجأة إلى تسميات مختلفة من قبل السلطات.. إما مشاغبين وإما مخربين وإما حتى إرهابيين!
• • •
هناك حاجة ملحة فى هذه الأوطان للعودة إلى الوقوف مع الذات ومراجعة أخطاء المعارضات المختلفة وإخفاقاتها وعدم القدرة على معرفة متى «تستغل» اللحظة لتحويلها إلى مسارات تضيف مكاسب ليس لتلك الحركة أو زعيمها بل للناس الذين يقول المعارضون إنهم يمثلونهم، وأن جل اهتمامهم وتضحياتهم هى من أجل هذه الفئات المهمشة والمستضعفة والخائفة من النبس بكلمة أو القيام بتصرف أو التعبير عن رأى حتى لو كان فى الثقافة أو فى التوسع العمرانى غير المفهوم الأبعاد والغايات!! حتى التطبيع مع آخر نظام فصل عنصرى عرفته البشرية، حتى هذا أصبح رأيا مخيفا بالنسبة للكثير فقد يؤدى إلى الاستدعاء أو التوبيخ أو السجن أو حتى الاختفاء والرمى خارج حدود الوطن وكأن المواطنة مكرمة وليست حقا للمواطن والمواطنة!
• • •
حتى نعرف حجم الكارثة ما علينا سوى قراءة خطابات وبيانات والجلوس فى تجمعات المعارضات العربية والاستماع إلى خطابات مليئة بكلمات ربما كان من الأجدى أن ترص فى صفوف المتاحف، فحتى اللغة أصبحت خشبية متحجرة.. فيما نحارب الظلم بأشكاله ونعمل على فضح الفساد بأنواعه حتى لو كان ذلك بالكلمة وهى أضعف الإيمان، ربما لا ننسى أننا بحاجة إلى إعادة بناء حركات متجددة للمعارضات العربية تعرف نبض الجيل وحتى كلماته وعباراته وما يؤثر فيه، وتكون قادرة على مواكبة كل الأساليب المستجدة لدى الأنظمة الحاكمة فى طريقة حكمها وسيطرتها وكسبها للولاءات لا الكفاءات، وتكريسها للقول الواحد ونكرانها للحق فى تعدد الآراء وقتلها الإعلام على مختلف أنواعه. فلم يعد فى عالمنا العربى برنامج حوارى متزن ومحايد ولم يعد هناك مقدمو ومقدمات برامج بل فى معظمهم حملة أختام و«طبلة» والحال نفسه لكتاب الأعمدة فقد قتلوا الصحافة العربية أو ما تبقى منها وراحوا يمنحون الجوائز والأوسمة لبعض الكتبة من الجهلة و«أرتيستات» الكلمة.. وعجبى.
كاتبة بحرينية