المشاركة السياسية في الانتخابات الرئاسية
بشير عبد الفتاح
آخر تحديث:
الإثنين 18 ديسمبر 2023 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
فى فقرتها الأولى، تؤكد المادة 87 من الدستور المصرى، أن «مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، ولكل مواطن حق الانتخاب، الترشح وإبداء الرأى فى الانتخابات والاستفتاءات. وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق؛ ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب فى حالات محددة، يبينها القانون».
اقتربت نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية لعام 2012 من52%، من إجمالى المسجلين فى جداول الناخبين حينها فى مرحلة الإعادة، وكانت الأعلى فى المسيرة الانتخابية. وفى الاستحقاق الرئاسى لسنة 2014، وصلت إلى 47%.. وفى العام 2018، ناهزت 41.5%. أما فى الانتخابات الرئاسية الحالية، فيتوقع خبراء أن تناهز 60%، من بين 67 مليون مصرى يحق لهم الاقتراع. وبذلك، تكون قد فاقت النسب السابقة كافة، لتغدو الأعلى فى التاريخ السياسى المصرى.
يؤشر تنامى نسبة التصويت فى الانتخابات على نزاهة عملية الاقتراع، وتعاظم شرعية النظام. كما يوجه رسالة إلى الخارج، مفادها أن قراراته وسياساته، على المستويين الداخلى والخارجى، محاطة بتأييد جارف، ومدعومة من لدن ظهير شعبى هادر. ولقد أجمع ممثلو حملات المرشحين الرئاسيين الأربعة، على نزاهة العملية الانتخابية. كما أشادت جهات المتابعة الدولية، وغرف عمليات الأحزاب، بشفافية أداء اللجنة الوطنية للانتخابات. وتوافق الجميع على كون الخروقات التى وقعت، محض تجاوزات فردية غير ممنهجة، ولا ترقى إلى مستوى الانتهاكات، التى تنال من سلامة المشهد الانتخابى بصفة عامة.
مهدت الهيئة الوطنية للانتخابات سبل تيسير المشاركة على المواطنين فى 10 آلاف و85 مركز اقتراع على مستوى الجمهورية، وفقا للموطن الانتخابى، وهو محل الإقامة الثابت ببطاقة الرقم القومى. إذ هيأت الأوضاع لذوى الاحتياجات الخاصة، ونسقت مع شركات الهاتف المحمول للتواصل مع ما يتخطى الخمسين مليون مواطن، بقصد حضهم على التصويت. كما بثت عبر وسائل التواصل الاجتماعى والقنوات التلفزيونية ومضة لحض الناخبين على الإدلاء بأصواتهم تحت شعار «من أجل الغد قم بواجبك، انزل وصوّت». كذلك، خصصت الهيئة لجان اقتراع للوافدين والمغتربين بمختلف المحافظات، والذين يتراوح عددهم ما بين ثمانية إلى عشرة ملايين ناخب، يمثلون 11% من إجمالى هيئة الناخبين، على الإدلاء بأصواتهم، دونما حاجة للسفر والتنقل، ولتشجيعهم على التصويت بدلا من استسهال العزوف.
خلافا لسابقاتها، شهدت الانتخابات الرئاسية الحالية حضورا لافتا للأحزاب السياسية. حيث تقدمت ثلاثة منها بثلاثة مرشحين رئاسيين. إذ سمى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى رئيسه فريد زهران، فيما قدم حزب الوفد رئيسه، عبدالسند يمامة، وحزب الشعب الجمهورى رئيسه، حازم عمر. وفى حين لا ينتمى المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى لأى حزب سياسى، فقد تبارت أحزاب شتى فى حشد الدعم الانتخابى له، وأبرزها حزبا مستقبل وطن، وحماة وطن، واللذان يتمتعان بتمثيل برلمانى بارز، وحضور جماهيرى عريض. كما أعلن أكثر من أربعين حزبا آخرين مؤازرتهم إياه. ولعبت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، التى تضم 25 حزبا، دورا محوريا فى تشجيع الناخبين على التصويت. مبتغية تحفيز قرابة 14 مليون مصرى مقيمين بالخارج، على المشاركة فى الاستحقاق الرئاسى، قامت وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، سها جندى، بجولة فى دول الخليج العربية والدول الأوروبية. بدورها، دخلت المؤسسات الدينية على خط التحشيد لأجل التصويت. فبينما عمدت الكنيسة الأرثوذكسية إلى حض أتباعها على المشاركة، خصصت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة، التى سبقت الاقتراع، لدعوة الناخبين للتصرف بإيجابية حيال الاستحقاق. فيما أصدرت دار الإفتاء فتوى، تعتبر المشاركة فى الانتخابات واجبا دينيا ووطنيا. ونشر موقعها الرسمى فتوى تؤكد أن «الإسلام أمر المسلم بأداء الأمانة بكل أنواعها وأشكالها، وأن التصويت فى الانتخابات هو جزء من أداء هذه الأمانة. وأن الممتنع عن أداء صوته الانتخابى آثم شرعا». وفى مكتبه بالدار، استقبل المفتى، المرشح الرئاسى المعارض، فريد زهران، كما استضاف قيادة الحملة الانتخابية للمرشح عبدالفتاح السيسى.
تزامن الاستحقاق الرئاسى مع ظروف محلية، إقليمية ودولية بالغة الحساسية. أبرزها: استفحال الأزمة الاقتصادية فى مصر، تحول الاهتمام الشعبى صوب تداعيات مأساة الحرب الإسرائيلية العدوانية ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة، فضلا عن نزوع بعض قوى المعارضة لمجافاة المشهد الانتخابى. فقبل أسابيع، قرر التيار الليبرالى الحر، الذى يضم أربعة أحزاب وشخصيات عامة معارضة، مقاطعة الانتخابات الرئاسية. ومن بين اثنى عشر حزبا، تمثل الحركة المدنية المعارضة، قررت تسعة أحزاب مقاطعة ذات الاستحقاق. وفى بيان لها، أرجعت الحركة قرارها إلى إهدار القائمين على الاستحقاق الرئاسى ضمانات الحياد وقواعد المنافسة. غير أن قرار المقاطعة لم يلق رواجا داخل أطياف المعارضة المصرية. فبينما أخفقت الحركة المدنية المعارضة فى تسمية مرشح رئاسى يمثلها، أقدم بعض قادة الأحزاب المنضوية تحت لوائها على الترشح، استنادا إلى أن عدم تفاعل أحزابهم مع العملية الانتخابية يضر بأحزابهم أكثر من إحراجه السلطة الحاكمة. لاسيما وأنه ليس لدى أحزاب المعارضة حضور شعبى يمكنها الارتكان عليه، للضغط على النظام. ولقد أظهرت تجارب المعارضة، فى الديمقراطيات المتعثرة، مع مقاطعة الانتخابات، أو ما يروق للبعض تسميته «ثورة الأفواه البنفسجية»، أو «التأثير من خارج العملية الانتخابية»، تواضع جدوى المقاطعة، مقارنة بعوائد المشاركة. حيث تتيح الأخيرة حضورا كثيفا لتلك الأحزاب عبر وسائل الإعلام، يخولها تواصلا جماهيريا فعالا، ووجودا مؤثرا فى الشارع. كما تمكنها من الضغط على النظام، لحمل أجهزة الدولة على التزام الحياد حيال الاستحقاقات، إتاحة مستوى معقول من الشفافية، وتوسيع دائرة الرقابة المحلية والدولية، بما يغرى الناخبين بالمشاركة.
جرت العادة أن تتصدر الحسابات الاقتصادية قائمة العوامل المحددة للسلوك التصويتى للناخبين فى كل زمان ومكان. بيد أن التحديات التى فرضتها التهديدات التى تتربص بالبلاد والعباد على مستوى الاتجاهات الاستراتيجية كافة، قد أسهمت فى إعادة ترتيب أولويات الناخب المصرى فى الاستحقاق الرئاسى الراهن. فمن جهته، أجج العدوان الإسرائيلى الغاشم على الفلسطينيين فى غزة والضفة، مخاوفه من مخططات دولة الاحتلال لتهجير فلسطينيى القطاع إلى سيناء. بموازاة ذلك، فاقمت الاضطرابات فى ليبيا، والصدامات المسلحة فى السودان هلع المصريين على أمن واستقرار بلدهم. ومن ثم، احتلت الاعتبارات المتعلقة بالأمن القومى، نصيب الأسد من محددات سلوكهم التصويتى.
تدعو الوثبة الهائلة، التى حققتها الهيئة الوطنية للانتخابات، بسماحها للوافدين بالتصويت فى أماكن وجودهم خارج مواطنهم الأصلية، إلى إعادة النظر فى مبدأ الموطن الانتخابى، كى يغدو أكثر مرونة؛ ولو على مستوى الانتخابات الرئاسية حصرا. بحيث يتسنى للناخب الإدلاء بصوته فى أقرب لجنة لمكان وجوده أثناء عملية الاقتراع، دون تقيد بموطنه الانتخابى المثبت ببطاقة الرقم القومى. فمن شأن هذا الأمر، زيادة نسبة المشاركة السياسية؛ كونه سيجنب ملايين الناخبين، ممن غيروا أماكن إقامتهم دون أن يوثقوا ذلك ببطاقة الرقم القومى، مشقة التنقل، التى كانت تضطرهم إلى التكاسل عن المشاركة. ذلك أن تشديد المادة 45 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، على ضرورة التزام الناخبين بالموطن الانتخابى، قد يدفع بملايين ممن يعيشون خارج مواطنهم الانتخابية، للعزوف عن التصويت، جراء تحديات لوجيستية. ورغم أن الهيئة الوطنية للانتخابات اشترطت متطلبات سبعة لتغيير الموطن الانتخابى قبيل موعد إجراء الانتخابات؛ يكمن الحل الأمثل فى مبدأ «الموطن الانتخابى المفتوح»؛ بحيث يتم السماح لكل ناخب بالتصويت فى أية لجنة، دون التقيد بعنوان سكنه. وقد سبق تطبيق هذا المبدأ إبان الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011؛ وحينها، شهد ذلك الاستحقاق اختراقا غير مسبوق، فى نسبة المشاركة، التى ناهزت 42% ممن يحق لهم التصويت.