مخاطر الرهان المصرى على ترامب
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 19 يناير 2017 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
اكتفى مسئول مصرى رفيع زار واشنطن بعد الانتخابات الأمريكية الأخيرة بمقابلة مسئولين ومشرعين وخبراء محسوبين على الحزب الجمهورى وإدارة الرئيس دونالد ترامب، وتجنب مقابلة نظرائهم من الحزب الديمقراطى. وتدل هذه الاستراتيجية على قصر نظر كبيرة فى التعامل مع نظام سياسى لا يعرف الركود وتتأرجح فيه مراكز القوى الحزبية والفكرية والإعلامية بسرعة كبيرة. وقبل ذلك كان واضحا ترقب النظام المصرى عن كثب لنتائج الانتخابات الأمريكية التى أوصلت ترامب للبيت الأبيض، وهى الانتخابات التى حافظ خلالها الجمهوريون على أغلبية مجلسى الشيوخ والنواب. ولم تخف مصر نخبة وحكاما سعادتها بنتائج الانتخابات الأمريكية، وذهب البعض لتصوير نتائج هذه الانتخابات وكأنها نصر سياسى للنظام الحاكم فى مصر.
***
ينبع الغرام الرسمى المصرى بالجمهوريين لاعتقادات قائمة على أوهام صدقتها النخبة الرسمية والإعلام الحكومى مفادها أن الديمقراطيين وخاصة باراك أوباما وهيلارى كلينتون تواطآ مع جماعة الإخوان المسلمين وأوصلاهم للحكم. ويتناسى هؤلاء أن كبار الأعضاء الجمهوريين بالكونجرس دعموا خطوات إدارة أوباما العقابية عقب سيطرة الجيش على الحكم بعد الثالث من يوليو.
جمهوريون كبار على شاكلة السيناتور جون ماكين أو ليندسى جراهام من ناحية، أو أعضاء غير تقليديين ممن لهم تأثير كبير مثل السيناتور راند بول أو السيناتور ماركو روبيو، كلهم دعموا تعليق المساعدات العسكرية لمصر ردا على ما جرى، وعاد كلهم أيضا ليدعموا مبادرة أوباما باستئناف المساعدات العسكرية لمصر بعد أقل من سنتين على تجميدها.
يعكس الغرام الحكومى المصرى بالجمهوريين قصورا فى فهم طبيعة ديناميكيات الكونجرس وتوجهات أعضائه ومصالحهم الخاصة. واعتادت أجهزة الدولة المصرية ممثلة فى رئاسة الجمهورية ووزارتى الخارجية والدفاع التعامل مع الكونجرس بطريقة غير مفهومة. ويحظى أعضاء الكونجرس بمعاملة رسمية غريبة وشديدة التزلف سواء كان ذلك فى القاهرة أثناء زيارات بعض الأعضاء أو مساعديهم أو حتى خلال مقابلاتهم مسئولين مصريين فى واشنطن. نعم انتهت نتائج انتخابات الكونجرس إلى سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ بفارق صوتين فقط إذ للحزب اليوم 52 عضوا مقابل 48 عضوا يحسبون على الحزب الديمقراطى. ويسيطر الحزب الجمهورى كذلك على مجلس النواب بأغلبية 241 عضوا مقابل 194 للحزب الديمقراطى. إلا أنه من المهم تذكر أن هناك انتخابات للكونجرس ستجرى قبل أقل من عامين الآن وينتظر أن يتغير على إثرها توازن القوى داخل المجلسين بصورة كبيرة.
***
إن عددًا من كبار المسئولين المصريين لهم علاقات طويلة مع العسكريين فى إدارة ترامب، فمستشار الأمن القومى الجنرال «مايكل فلين» شغل من قبل منصب مدير المخابرات العسكرية لمدة ثلاث سنوات بين 2012ــ 2014، وعمل عن قرب مع السيسى، كذلك الحال مع وزير الدفاع الجديد الجنرال «جيمس ماتيس» الذى خدم كرئيس للقيادة المركزية الوسطى 2010ــ2013، التى تشرف على العلاقات العسكرية مع دول الشرق الأوسط. إن المعرفة السابقة بين أركان إدارة ترامب والمسئولين المصريين لها إيجابياتها ولها سلبياتها فى الوقت نفسه. المعرفة الشخصية دوما تعد عاملا إيجابيا، إلا أن تلك المعرفة تجعلك تتوقع سلوك وتكتيكات من تتعامل معه من سابق معرفتك به.
قبل شهور قليلة سألت وزير الدفاع الجديد الجنرال ماتيس، عن رؤيته لطبيعة العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن، ورد بقوة داعيا لضرورة مساندة النظام المصرى فى هذه المرحلة المضطربة من تاريخ الشرق الأوسط. ونادى الجنرال بضرورة استئناف مناورات النجم الساطع بين الجيشين المصرى والأمريكى، إلا أن الجنرال أكد ضرورة تغيير طبيعة المناورات لتركز على تدريبات مكافحة الإرهاب، وليس على حروب المدرعات التقليدية بين جيشين نظاميين. ويعتقد على نطاق واسع أن القاهرة وواشنطن تبحثان بجدية معاودة مناورات النجم الساطع المتوقفة منذ عام 2009، وهذه المناورات ومنذ بدئها عام 1980 تركز على حروب تقليدية بين قوات كبيرة فى مناطق صحراوية واسعة تستخدم فيها المدرعات والطائرات والدبابات، وهو ما تريد واشنطن تغييره ولا ترحب القاهرة بهذا التوجه كثيرا.
من ناحية أخرى يعكس النقاش حول استئناف المناورات رضا الطرفين على تطورات ملف المساعدات العسكرية المقدمة لمصر، فالقاهرة رحبت بقرار الكونجرس المتعلق بمنحها مساعدات عسكريه مقدارها 1.3 مليار دولار للعام المالى 2017، والتى صاحبها تقليل كبير للشروط المرتبطة بها. ورغم التسهيلات الأمريكية الظاهرة، تبقى بعض الاختلافات بين القاهرة وواشنطن على خلفية نقطتين مهمتين، الأولى تتعلق بطريقة تمويل شراء الأسلحة الأمريكية الجديدة، وتتعلق الثانية بطبيعة ونوعية هذه الأسلحة.
***
يتفق الحزبان الديمقراطى والجمهورى على عدة نقاط فيما يتعلق بمصر ليس من بينها إحداث أى تغيير فى استراتيجية واشنطن للتعامل المستقبلى مع الجيش المصرى ونظم تسليحه وطريقة تمويل مشترياته الأمريكية. وعلى الرغم من وقوف ترامب فى نفس جانب النظام المصرى فى العداء للربيع العربى وتبعاته، وعلى الرغم من أن ترامب ينظر بصورة إيجابية للرئيس السيسى، وعلى الرغم من رغبة ترامب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، إلا أن ذلك لا يعنى تغييرا إيجابيا سريعا لعلاقات القاهرة الرسمة بواشنطن. ولا يجب أن يُفهم من ذلك قرب حدوث تغيرات كبيرة فى القضايا الهامة للنظام المصرى مثل طريقة تمويل شراء الأسلحة الأمريكية، أو بطبيعة ونوعية هذه الأسئلة وسرعة تسليمها للجانب المصرى.
لا ننسى أن ترامب رجل أعمال بالدرجة الأولى، وفى إطار حساباته دائما ينظر على ما يأخذه من الجانب الآخر، ويبدو أن فريق ترامب الذى يعرف مصر جيدا يدرك أن القاهرة لا تستطيع أن تقدم المزيد فى ظل أوضاع الشرق الأوسط الملتهبة التى يهيمن عليها بالدرجة الأولى لاعبون إقليميون من أعداء واشنطن مثل إيران، أو من حلفائها كالسعودية وإسرائيل، أو من تتأرجح علاقاته بها مثل تركيا. ولا يبدو أن هناك أوراقا هامة فى يد الجانب المصرى يستطيع المناورة بها مع الإدارة الأمريكية الجديدة خاصة مع تشدد موقف ترامب بخصوص القضية الفلسطينية فى الوقت الذى وصلت معه علاقات القاهرة بإسرائيل لمستويات غير مسبوقة من التنسيق والتعاون فى جميع المجالات.