ما هى العناصر الأساسية فى مقاربة الولايات المتحدة إزاء موضوع استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين؟
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 19 يناير 2018 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
استهل الكاتب حديثه بأنه لا تزال التفاصيل المعروفة عن خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط التى ينتظرها الجميع منذ وقت طويل قليلة جدًا بصورة متعمدة، ذلك بأن الطاقم المنضبط الذى يتولى صوغ هذه الخطة برئاسة المستشار الكبير جاريد كوشنير، يحرص على عدم نشر أو تسريب أى معلومة عنها. ومع ذلك فإن تحليل ملاحظات كوشنير التى طرحها فى «منتدى تسبان 2017»، إلى جانب قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن القدس والفصل المخصص للشرق الأوسط فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية التى نُشرت أخيرا تقدم لنا معا تبصرات مفتاحية بشأن طريقة التفكير التى تعتمدها الإدارة الأمريكية الحالية فى موضوع المفاوضات. ومثل هذا التحليل يقودنا إلى الاستنتاج بأن هذه الأيام تحديدا تشهد صوغ وبلورة نماذج جديدة للمفاوضات تُسقط جملة من المبادئ التقليدية الأساس التى تبنتها الإدارات الأمريكية السابقة.
تطلع لإبرام «صفقة القرن»
يبدو أن إدارة ترامب ترفض المقاربة المتعددة المراحل فى المفاوضات لتحقيق التسوية النهائية، والتى تقوم على حلول مرحلية أو تسويات لبناء الثقة. وبدلا من هذا، تصب جل جهودها فى المبادرة إلى إجراء مفاوضات لتحقيق تسوية نهائية وشاملة. بحسب هذا المنطق، تعترى المقاربة المتعددة المراحل جملة من النواقص، نظرا إلى انعدام الثقة السائد بين الطرفين، بينما ليس فى وسع هذه المقاربة إيجاد الثقة اللازمة للتغلب على المصاعب الجوهرية التى تعترض سبيل المفاوضات والتى لا بد من أن تظهر لاحقا أيضا، سواء خلال العملية نفسها أو بتأثير أحداث وتطورات إقليمية سلبية. هذه المسيرة المثقلة بالأزمات، لن يكون من شأنها تعريض عملية السلام نفسها للخطر فحسب، بل أيضا إعاقة تعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، إلى جانب التسبب بضرر جدى لجزء من الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى إضعاف إيران وعزلها. الإدارة الأمريكية تؤمن حقا بأن العالم العربى لن يتقدم نحو تطبيع علاقاته مع إسرائيل من دون تحقيق حل شامل ونهائى مع الفلسطينيين. وأكثر من هذا، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية واعية للتشكيك الفلسطينى والعربى حيال المقاربة المتعددة المراحل، استنادا إلى التقويم القائل إن إسرائيل ستأتى إلى مثل هذه العملية بنية جرجرة المفاوضات وإطالة أمدها، بموازاة استمرارها فى فرض «الوقائع على الأرض» فى الضفة الغربية.
السياق الإقليمى
إن استراتيجية الأمن القومى التى بلورها الرئيس ترامب توكل للولايات المتحدة دورا طويل الأمد فى الشرق الأوسط، بغية تحسين موازين القوى والاستقرار، إلى جانب الدفع قُدُما بالمصالح الأمنية والاقتصادية الأمريكية. والفوضى الإقليمية تُعتبر نتاجا للعلاقة بين اتساع التأثير الإيرانى والإرهاب الجهادى من جهة، والأيديولوجيا المتطرفة، الدول الضعيفة، الجمود الاجتماعى ــ الاقتصادى والخصومات الإقليمية المتعددة، من جهة أُخرى. على هذه الخلفية لا تنظر الولايات المتحدة إلى النزاع الإسرائيلى ـــ الفلسطينى بعد اليوم باعتباره سببا حاسما فى المشكلات الإقليمية. مع ذلك يظل تحقيق اتفاق سلام عاملا مهما، من شأنه أن يسمح بتوثيق العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، وهى علاقات ستخدم المصالح الأمريكية أيضا، وخصوصا مصلحتها فى تحسين موازين القوى الإقليمية والقدرة على مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.
جلب الطرفين إلى مائدة المفاوضات
يبدو أن طاقم المفاوضات الأمريكى يعتبر انعدام المرونة من الجانب الفلسطينى العقبة الأساسية أمام استئناف المفاوضات. خلال جولة الوساطة الأمريكية السابقة سنة 2014، سُجل إحراز تقدم فى المحادثات بين إسرائيل والولايات المتحدة، بينما كان الفلسطينيون الطرف الذى انسحب من العملية السلمية. وكان الرئيس باراك أوباما قد عرض على الرئيس الفلسطينى أبو مازن، فى 17 مارس 2014، مقترحات كان بعضها يميل لمصلحة الطرف الفلسطينى بوضوح. لكن أبو مازن امتنع من جانبه من إعطاء جواب وطلب إمهاله بعض الوقت للنظر فى هذه المقترحات وبحثها. وقد حصل على مهلة حقا حتى يوم 25 من الشهر نفسه، غير أنه لم يعطِ جوابه عليها حتى هذا اليوم. وبدلا من ذلك أطلق الفلسطينيون حملة لتدويل الصراع وسط محاولة لتدفيع إسرائيل ثمنا باهظا على الجمود فى العملية السلمية ولتحسين موقفهم التفاوضى. من جهة أُخرى، وبالنظر إلى تعلق إسرائيل بالولايات المتحدة وتقديرها الكبير للإدارة الحالية وموقفها حيال مسألة القدس، يبدو أن تحدى العودة إلى مائدة المفاوضات ــ حتى بوجود حكومة الائتلاف اليمينى الحالى ــ هو أسهل كثيرا. وهذا شريطة أن يتخلى الفلسطينيون عن الشروط المسبقة المتشددة التى كانوا قد طرحوها من قبل.
بناء على هذا، اتخذت الإدارة الأمريكية جملة من الخطوات التى استهدفت التأكيد أمام القيادة الفلسطينية أن الحديث يدور الآن حول لعبة جديدة متعددة جوهريا، يعود فيها استمرار حالة الجمود بخسائر على الفلسطينيين وبأرباح على إسرائيل. وجاء الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل فى سياق هذا الطرح ولخدمة هذا الهدف، إذ إنه ينمذج للفلسطينيين كيف يمكن إصلاح الضرر وتعويض خسارتهم فقط من خلال التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن المكانة الدائمة لمدينة القدس فى ختام مفاوضات بين الطرفين.
ختاما، تبدى إدارة الرئيس ترامب التزاما واضحا بالعمل على الدفع قدُما بعملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية سعيا لتحقيق «صفقة القرن». الجدول الزمنى فى هذا السياق مرن جدا ويبدو أن التأجيل عائد إلى التردد الفلسطينى فى العودة إلى طاولة المفاوضات برعاية أميركية، وذلك فى إثر الاعتراف الأميركى بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. فى هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة جهدها فى إعادة تحديد وبلورة نموذج جديد للمفاوضات وضم أطراف إقليمية أُخرى لتكون شريكة فى هذه العملية التى من شأنها أن تهيئ لإسرائيل جملة من الفرص حتى فى ظل انعدام المفاوضات، وأن تحسن مكانتها الإقليمية.
شمعون أراد
مباط عال
عقيد احتياط وباحث متخصص فى شئون الأمن الإقليمى فى «معهد أبحاث الأمن القومى» فى جامعة تل أبيب
مؤسسة الدراسات الفلسطينية