المغرب ــ تونس: مراكز البيانات.. ثورة الإنترنت الصامتة!
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 يناير 2021 - 6:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتب محجوب لطفى بلهادى تناول فيه الحديث عن مراكز البيانات وطريقة عملها... نعرض منه ما يلى:
فى الآونة الأخيرة لا حديث إلا عن «مراكز البيانات» المنتشرة فى العديد من الدول، عن صعود أسهمها فى بورصة الأعمال وعن دورها الحاسم فى دفع الثورة الصناعية 4.0 إلى حدودها القصوى! منذ اكتشاف الذهب الأسود، الذى من أجله تندلع الحروب وتٌنتهك حرمات الشعوب وتتشكّل المدن العملاقة وتٌطلق المركبات الفضائية، كنّا نعتقد خطا أنه من الاستحالة بمكان أنه سيأتى فى يوم من الأيام من سيقلّل من احترامه وينافسه فى صنع الحاضر والمستقبل بأبعاده المركبة، ننتجه كل لحظة دون أن ندرى، يتشكّل معدنه النفيس من البيانات وما أدراك ما البيانات الضخمة Big data.
بشكل مٌبسّط «مركز البيانات» هو عبارة عن بناية ضخمة، تمتد على مساحة لا تقل عن 500 متر مربع تحتوى على عدد من الفضاءات المهيئة بشكل جيّد لجمع البيانات ومعالجتها.. يؤمها عدد كبير من الخوادم وغيرها من تجهيزات السلامة والتبريد.. مهمتها خزن كم هائل من المعطيات المتأتية من مختلف مواقع الإنترنت فى العالم لتحويلها إلى معلومات منظمة جاهزة للاستغلال.. مدعومة بأنظمة تهوية وتبريد وسلامة عالية.
نجحت كبريات المؤسسات الرقمية على غرار غوغل وفايسبوك وأمازون وميكروسوفت من تركيز «مراكز بيانات» خاصة بها تنتج «بيانات ضخمة» بميزة تنافسية عالية فى حين أن عددا كبيرا من المؤسسات الاقتصادية اختارت نهج تأمين بياناتها لدى الغير للتقليل من تكاليف الصيانة أو الاستثمار فى اقتناء معدات معلوماتية مكلفة.
تتميز «البيانات الضخمة» بما يعرف بثلاثية حرف V؛ حجمها Volume المتناهى فى الكبر من أحجام التيرابيت إلى زيتابايتTérabit / Zettabit، تنوع مصادرها Varity المتأتية من بيانات المعاملات والسجلات والتطبيقات المختلفة والبيانات المنظمة وتلك غير المنظمة مثل النصوص والصور وتدفقات الفيديو والبيانات الصوتية وغيرها، سرعة تدفقها الكبير Velocity.
تتولى «مراكز البيانات» تنفيذ المهام التالية؛ تخزين البيانات فى شكل أرقام، رموز، صور أو نصوص، معالجتها عبر خوارزميات متطورة، تحويلها إلى مخرجات فى شكل معلومات مرتبة متناغمة ومفيدة، حفظ وتأمين ديمومة سلامة البيانات والمعلومات.
يبلغ عددها ما يزيد عن 3500 «مركز بيانات» حول العالم تتمركز أغلبها فى الولايات المتحدة الأمريكية يليها مباشرة بريطانيا وألمانيا وفرنسا.. يعتبر «مركز البياناتInner Mongolia Information park» التابع لمؤسسة China Telecom من أضخم مراكز البيانات فى العالم بمساحة تصل 25 كلم مربع بما يعادل 10 أضعاف مساحة امارة «موناكو».
تستأثر غوغل لوحدها على أكثر من 40 مركز بيانات مجهزة بما يزيد عن 900000 خادم موزعة بين الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا.. تشتغل على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع للاستجابة لأكثر من 3 مليارات طلب يوميا من مستخدمى الانترنت.
تستهلك مراكز البيانات كم هائل من الطاقة وتفرز عالميا قرابة 17 بالمائة من أكسيد الكاربون مما يجعلها غير صديقة للبيئة، ومن أجل التقليص من بصمتها البيئة الملوثة تعتمد مراكز البيانات أكثر على الطاقات المتجددة ــ الطاقة الشمسية ــ واستخدام واسع لتقنية تبريد الخوادم بالماء «water cooling»..
مقارنة ببقية الثورات التى تعتمل داخل شبكة الانترنت ــ ثورة الواب / ثورة البلوكشين / ثورة العملات الافتراضية / ثورة الذكاء الاصطناعى إلخ ــ فإن تكنولوجيا «البيانات الضخمة» على أهميتها القصوى أبت إلا أن تتحرك فى جنح الظلام فى ثورة صامتة شاملة دونها يتوقف نبض الشبكة العنكبوتية عن الاشتغال والتطور!
ومن المتوقع جدا أن نشهد قريبا ولادة الجيل الثانى من مراكز البيانات متخصصة هذه المرة فى خزن «الجينوم البشرى» والتلاعب بشفراتنا الجينية!