للحب يوم وللعشق كل الأيام
خولة مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى الشهر الثانى من العام وبالتحديد فى الرابع عشر منه يبقى الأحمر هو سيد المشهد.. تستفيق على المدينة وقد ارتدت الأحمر وانغمست فى عبارات العشق والحب بكل الوانه ليس للحب حدود مرسومة وليس له مقاييس أو انماط.. هو عيده أى عيد الحب.. لا أستطيع تذكر الحب دونه هو الذى كان يمقت الأيام الخاصة والأعياد يقول «أنا احتفى بالعشق المعتق فى كل يوم.. ذاك لو استطعت..» ثم لا يلبث أن يعيد تكرار عبارات تعلمها فى سنين العمل الحزبى الأولى فهو يرفض «أعيادهم» لأنهم حولوها الى مناسبات للاستهلاك بل إنهم لم يعودوا قادرين على أى فعل عاطفى بعد أن اكتسوا الماديات».. هكذا يردد ويعيد ألا ترين حجم الزهور الحمراء والدببة والقلوب والبطاقات المزركشة بتلك العبارات الشبيهة بموسيقى المصاعد أو موسيقى قاعات الفنادق ذات النجوم الخمسة.. هو هكذا رغم انه يعشق العشق.. بل يهيم فى حالات العشق حتى انه فى احدى المرات ضحك الاصدقاء كثيرا عليه ومنه واغضبوه عندما قالوا «أنت فقط تحب طقوس العشق ولكنك لم تعرف العشق حقا».
عادت ذكرى ذاك الصديق العاشق والمعشوق الى ذهنى واليوم يبدأ باحمرارات طقوسه ودعوات المهنئين كلما دق جرس الرسائل بهاتفى لترسل التهانى المتلاحقة وكلها فى أطار الحب البريئ من صديقات وكثير من افراد العائلة.. لم أستطع مقاومة البحث عن آخر مرة تلقيت فيها باقة زهور؟ لم أعد اتذكر لم أعد اعرف!
فيما عرف العرب العشق والهوى وهاموا به فى الماضى بقى الحب العائلى هو المتاح فى الحاضر! وكل أنماط العشق التى قال عنها الكثير طرفة بن العبد فى وصف ولوعة فراق محبوبته بالبحرين وقيس بن الملوح وغيرهم كثيرون.. كل ذاك أصبح فى هذه اللحظة بالذات وكأنه من تراث لشعوب غير العرب.
●●●
قبل نهاية اليوم كان أن أطل هو ذاك الملتاع بعشقه الدائم والباحث عن قلب صديق يسمعه لم يعد يكرر عبارات مثل عيد الحب هذا من «اختراعات الراسمالية «ولم يعد يرفض الاحتفال بالحب فى يوم ونبقى على الكره والقبح لكل الأيام بل لم يعد قادر على أى من ذلك ربما.. هو الآن أبعد تلك الصور القاتمة وراح يبحث عن كوة فرح وسط سواد الفضاء.. ولكنه لا يستطيع أن يغمس نفسه فى الأحمر إلا وأن يلوثه ببعض السواد.. جاء صوته على الهاتف متعب جدا ربما من قلة العشق والهوى وراح يردد كما المبرر لكونه خارج حالة الهيام «ماذا نسقى يوم الحب هذا وقد امتلأت المقابر بجثث لشباب هم فى عمر الزهور وكيف نحتفل والدم يسقى الأرض حتى الثمالة».. قلت إذن عاد لسوداويته ولكنه تمالك نفسه وكأنه يعزى نفسه أو ربما يعزينا جميعا أصدقائه وصديقاته القدامى شلة من النساء والرجال العرب كانت تعيش هناك فى مراحل الدارسة الجميلة حيث كان الحب هو ملح الأيام وزاد السنين.. كنا نخوض منافسات مسائية فى أجمل ما كتب فى الحب.. وكان هو يمقت هذه اللعبة التى يصفها بأنها «برجوازية حتى النخاع» فلا نتوقف عن الضحك حتى نعود للبحث عن أجمل ما قاله العرب وكان يحتدم النقاش ليقال إن النساء العرب غير قادرات على البوح بحبهن وأن النساء عموما لم يكتبن فى الحب لأنه فى هذا الزمن أصبح «العشق الحرام» وهو متاح للرجال فقط.. ويتنوع الحديث وربما يحتد قليلا .. يبقى هو يتأملنا نحن الصديقات القادمات من مدن ترفع شعار لا حب قبل الزواج ولا عشق إلا مع الزوج حتى القبر!! يخاف علينا أحيانا من محيطنا ربما؟ وكثيرا ما يخاف منا لأنه هو الآخر لم يبعد كثيرا عن فكر القبيلة فكيف لإنسان أن يتعرى من جذوره؟!
●●●
بقى أنه الآن وبعد أن نشر سواده عبر صوته القادم من بعيد، عاد ليضحك وليعيد تكرار السؤال العالق منذ اكثر من ثلاثين عام «هل استطاعت المرأة أن تبوح عن عشقها؟» فأقول نعم أبحث بين كتب الشعر والروايات حتى تلك القادمة من أكثر المدن انغلاقا تلك الجالسة بين الجبل وبحر العرب فقد شهدت السنوات الأخيرة فيض النساء فى البوح حتى صدمنا كل الرجال ربما كلهم وبعض النساء أيضا!!
قبل أن ننهى المكالمة كان قد عاد لأجمل حالاته يردد للحب يوم وللعشق كل يوم يا صديقتى.. كونى بخير.. كونى بحب!!
كاتبة من البحرين