لا بيوت للنساء ليبقين فيها!!
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 19 أبريل 2020 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
قالوا خليكم بالبيت، ابقوا بالبيت، أرجوكم ودخيلكم لا تخرجوا من البيوت حتى أن المذيعات والفنانات والموسيقيين عملوا على نشر الرسالة ربما لإحساسهم بالمسئولية تجاه مجتمعاتهم، وربما لأنها تحولت إلى شكل من أشكال التقليد الفج ومحاولة كسب بعض الرصيد لدى الجماهير. هم فى ذلك أفضل بكثير من بعض رجال الأعمال و«التجار» الذين أثبتوا فى كل بقاع الأرض أنهم لا ينتمون لوطن وليست لديهم أى أحاسيس تجاه أى أمر سوى الكسب السريع.. كنا نزدرى زمانا ما عرفوا بـ«تجار الحروب»، أصبح معظم تجارنا وصانعى ووكلاء المواد الأساسية تجار حرب..
***
شاركت أيضا المحطات التلفزيونية فى وضع شارة بعبارات خلاصتها لا تفكر لحظة فى وضع قدمك فى الشارع المقابل لبيتك.. فالبيت هو الأكثر أمانا وسلامة من القاتل المقبل مع نسمة هواء، أو الجالس على سطح هنا أو هناك، أو العالق فى رئة ضعيفة ولا يكاد يقترب من أحد حتى تتضاعف الأرقام من المصابين.. التزم البعض فى البدء ثم اضطروا جميعا أن يلتزموا لأننا تعودنا أن العصا أكثر وطأة من الجزرة.. اكتظت البيوت وتعارفت العائلات للمرة الأولى منذ سنين، وربما لذلك خرجت النكات وفى كثير منها عنصرية شديدة ضد النساء طبعا، ما زال فضاؤنا ذكوريا حتى النخاع وثقافتنا أيضا. بعض النساء أو كثيرات منهن يضحكن على نفس النكات متعللات بأنهن لسن من حملة شعارات «حرية ومساواة المرأة»... إلخ إلخ.
***
كل هذا ربما ينقشع سريعا، ربما؟! ولكن ما حدث بعد أكثر من شهر من «خليك بالبيت» هو أن برزت قصص من هنا وهناك وحكايات عن ابن قتل أمه وزوج قطع زوجته وثالث تخلص من أخواته الثلاث. لم تركز هذه الحكايات على بلد أو مدينة أو شريحة اجتماعية بعينها، بل هى الأخرى ساوت بين الجميع كالفيروس نفسه الذى لم يميز بوريس جونسون من ريتشارد العاطل عن العمل فى مدينة نيوكاسل.
***
تسلى الرجال بالفيس بوك وكثير منهم بالتلصص على المواقع هنا وهناك حتى ارتفعت مبيعات تلك الحبات الزرقاء وغيرها!! وآخرون منهم عادوا للعب الورق والطاولة والإكثار من الجلوس فى رفقة الشيشة.. وحدها المرأة طلب منها أن تقوم بكل المهمات اليومية لعائلة تسقط عليها غضبها وتعبها «النفسى» من البقاء بالبيت حتى قال ذلك الابن لأمه «بعد انتهاء هذه الأزمة أريد أن أصبح ولد شوارع»!!
***
انتقل العنف اللفظى والصورى عبر الكاريكاتير الذى يصور نساء الكون وهن فى أقبح صورهن فقط لأن محلات الحلاقة أغلقت وكذلك عيادات التجميل وغيرها، ناسين جميعا أن هذه لم تعد حكرا على النساء بل يتنافس فيها الرجال أيضا لزرع الشعر وتعديل المناخير «الخشوم» والتخلص من الأكياس الدهنية تحت العين والشحم واللحم المكدس عند البطن، حتى صار البعض يتنافس مع النساء على حجز المواعيد فى محلات المناكير والبادكير بشكل منتظم.. ها قد تساوى الرجال مع النساء كأسنان المشط.. إذن تلك الصورة للمرأة التى «طلعت على حقيقتها» بعد الحجر ليست حكرا على النساء فقط وذلك ربما شكرا وحمدا لعارضى الأزياء والفاشنيستات ومجلات الموضة وغيرها..
***
بعد كل ذاك العنف، لم تطل المدة حتى كثرت أخبار النساء المعنفات، وقد لا يكون الأمر نتيجة ازدياد فى الحالات بل ربما لأن الأمر لم يعد محتملا، ولم يعد أمام الكثير من النساء سوى طلب العون والاستغاثة بعد سنوات من الخوف من «الفضيحة» والشرف والعار للعائلة، أو حتى لكى لا تهتز صورة الزوج أو الأب لدى أفراد العائلة الآخرين أو أمام زملائه أو موظفيه.. عبثت أيدى الرجال على اختلاف صفاتهم وقرابتهم، بوجوه وأجساد النساء ساعة اغتصاب عاطفى وجسدى وأخرى بالضرب المبرح حتى الموت..
***
عندما رفع البعض من النساء والرجال الصوت عاليا رغم الحجر، خرج الدجالون من جحورهم ورددوا «نحن مجتمعات إسلامية» أو «متدينة» فهذه الحوادث ما هى إلا حالات فردية لأشخاص مرضى!! فهذه أمراضهم هم أولئك المنكبون على البحث عن علاج لذاك الفيروس اللعين ونحن نقضى الوقت فى شرب الشاى و«شتمهم»..
***
العنف لا دين ولا وطن له كما الفيروس نفسه وهو ينتقل أيضا تحت رادارت الكثيرين، أو ربما لأن بعضهم استحلى تقليد النعامة أو حتى الرفض بقبول أن مثل هذه الأمراض تختبئ بين جدران منازلنا أو حتى ذاك الذى يعرف ويقول لنفسه «اعمل نفسك ميت»!!