أضغاث أحلام ترامب
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 19 مايو 2025 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
جاء الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب إلى المنطقة ورحل محملًا بتريليونات الدولارات والهدايا القيمة، بعد استقبال حافل فى ثلاث عواصم خليجية، عشية عقد قمة عربية فى بغداد عاصمة الرشيد حاولت الوقوف على أوجاع العرب، وتحديات لحظتهم الراهنة، وفى القلب منها القضية الفلسطينية أم القضايا التى تحاول إسرائيل تصفيتها بمساعدة أمريكية غير مسبوقة.
احتلت الصفقات التجارية، والاتفاقات الاقتصادية، موقع الصدارة فى جولة ترامب الخليجية، وهى الثانية بعد زيارته الأولى عام 2017 خلال ولايته الأولى للرئاسة الأمريكية، فى وقت توارى فيه الحديث أو خفت عن غزة وحملة التجويع القاتلة فى القطاع البائس، قبل أن تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلى الإبادة الجماعية، وتشن عدوانها البرى الجديد ضمن العملية التى أطلقت عليها اسم «مركبات جدعون».
ظن البعض، وكثير من الظن إثم، خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، أن ترامب ربما يضغط على ربيبته تل أبيب، لوقف عدوانها، أو تخفيف حصارها وتجويعها للفلسطينيين، لكن حديث الصفقات التجارية كان الأعلى صوتا.. لم يعلن ترامب تقدمًا فى ملف حرب غزة، وكرر كلامه الممجوج عن نية الولايات المتحدة «أخذ» قطاع غزة قائلا خلال زياته إلى قطر: «لدىّ تصورات جيدة جدًا لغزة، أعتقد أنها منطقة حرة، دع الولايات المتحدة تتدخل وتجعلها مجرد منطقة حرة».
لا ينسى ترامب أنه مطور عقارى، ولا يمل من طرح فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة وتطويرها عقاريًا، وستظل غزة مطمعًا لإقامة أبراج وشواطئ للترفيه عن الأثرياء أمثاله على غرار الريفييرا الفرنسية، لكنها ستكون مجرد «أضغاث أحلام» أمام تشبث الفلسطينيين بأرضهم، على الرغم من كل الدمار والخراب وحرب التجويع، التى لم يفلح العدوان الإسرائيلى قبل أكثر من عام ونصف العام فى زحزحتهم عن وطنهم.
خلال جولته الخليجية، أيضا، دعا الرئيس الأمريكى سوريا إلى الانضمام لاتفاق السلام الإبراهيمى، بهدف توسيع دائرة التطبيع مع إسرائيل، لكن قمة بغداد حملت ردًا مصريًا قويًا مناصرًا للقضية الفلسطينية، عندما أكد الرئيس السيسى، أنه حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية.
كلمة الرئيس السيسى خلال الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ34 فى بغداد أكدت أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أشد مراحلها خطورة وأكثرها دقة «حيث يتعرض الشعب الفلسطينى لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية على مدار أكثر من عام ونصف تهدف إلى طمسه وإبادة وإنهاء وجوده فى قطاع غزة».
قد يرى البعض أن مصر تقف شبه وحيدة وهى تواصل مساندتها للقضية الفلسطينية التى يراد لها «قبر»، وتهجير قسرى، لأكثر من مليونى فلسطينى من قطاع غزة المنكوب، لكن من قال إن إرادة الشعوب يمكن كسرها إذا ما تسلحت بالعدل والحق، وناصرت المظلوم، ووقفت فى وجه الظالم، وهذا ليس كلاما إنشائيا، أو عواطف لم يعد لها قيمة فى ميزان المصالح.
على درب معركة النفس الطويل، سيكتشف الرئيس الأمريكى، كما اكتشف غيره من قبل، أن تصفية القضية الفلسطينية، مجرد أضغاث أحلام، وأن تلك القضية ستبقى أُم القضايا فى الشرق الأوسط، وستظل الصخرة التى تتحطم عليها كل المشاريع الاستعمارية الإسرائيلية، ولنتأمل كيف فشل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، رغم كل الدمار الذى ألحقه بقطاع غزة، فى تحقيق أهدافه من العدوان.
فشل نتنياهو فى تحرير المحتجزين الإسرائيليين بقوة النار، وغالبية من خرجوا من الأسر جاءوا عبر طاولة المفاوضات، كما فشل، حتى اليوم، فى القضاء على حماس، والدليل مفاوضات واشنطن مع الحركة مباشرة للإفراج عن الجندى الإسرائيلى ــ الأمريكى عيدان ألكسندر!
سيفشل العدوان الإسرائيلى فى نهاية المطاف فى تحقيق أهدافه، وسيبقى سجل التاريخ مفتوحًا لفضح المتخاذلين عن نصرة فلسطين، وإنصاف من دافعوا عنها عندما تخلى آخرون.