الشرق الأوسط ــ لندن: الاقتصاد العالمى بعد الجائحة.. نظرة مستقبلية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 19 يونيو 2020 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب «وليد خدورى» تناول فيه دراسة قام بها البنك الدولى لبيان تأثير كوفيدــ١٩ على الاقتصاد العالمى وركزت الدراسة على اقتصادات الدول النامية وتأثير الجائحة عليها، كما ذكر توصيات البنك الدولى لتجاوز هذا الضرر الاقتصادى.. جاء فيه ما يلى.
بادر الكثير من المؤسسات الاقتصادية الدولية لدراسة تأثير «كوفيد ــ 19» على مستقبل الاقتصاد العالمى. كما بادرت، من جانبها أيضا، مؤسسات وشركات عربية متخصصة، لدراسة تأثير الجائحة على الاقتصاد العربى، والصناعة النفطية الإقليمية. ودرست أيضا مؤسسات عربية ودولية مدى تأثير فيروس «كورونا» المستجد على نمو بدائل الطاقة. وقد بدأت تصدر بالفعل بعض الأبحاث التى تلقى ضوءا على المسار المستقبلى لهذه القطاعات الاقتصادية. وسنحاول هنا أن نلخص تدريجيا وبإيجاز توقعات واستنتاجات بعض هذه الدراسات.
تبحث دراسة صدرت للبنك الدولى خلال شهر يونيو الجارى عن «النظرات المستقبلية للاقتصاد العالمي». وتحذر الدراسة من الأزمة التى لا سابقة مثلها والتى ضربت العالم بأجمعه. فقد أدت الأزمة الصحية، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التى وقعت ضحية لها، قد أدت أيضا إلى انحسار وتراجع اقتصادى لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية. لكن تنبه الدراسة أنه فى حين من غير الممكن توقع الآثار المترتبة على مسيرة النمو الاقتصادى العالمى، أو حتى التصور بدقة إذ يمكن أن تكون هناك سيناريوهات أسوأ أمامنا فى حال عدم السيطرة على الجائحة فى الوقت القريب، إلا أنه رغم ذلك، فإن الجائحة التى اجتاحت العالم خلال النصف الأول من عام 2020 ستؤدى إلى تقلص ضخم فى اقتصادات الدول النامية، بالإضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن ينتج عن الجائحة خسائر كبرى ودائمة لبعض الأساسيات الاقتصادية فى الدول النامية، مما سينتج عنه أضرار لإمكانيات النمو الطويل المدى فى الدول النامية، الأمر الذى سيؤدى بدوره إلى انخفاض مستوى المعيشة فى هذه الدول إلى مستويات أدنى مما هى عليه الآن ولفترة طويلة. تتوقع الدراسة انخفاض ناتج الدخل القومى العالمى 5.2 بالمائة فى عام 2020، وفى حال استمرار شيوع الجائحة لفترة طويلة أكثر مما هو متوقع، سينخفض الدخل الفردى فى معظم الدول النامية، هذا بالإضافة إلى انكماش اقتصادات معظم هذه الدول. من نافل القول، إن الانكماش الاقتصادى العالمى سيصبح بدوره أكثر شدة مع استمرار الجائحة لفترة طويلة غير متوقعة فى الوقت الحاضر.
تعتبر الأولويات فى الأجندات القريبة المدى توفيرا أوسع دعم ممكن للمؤسسات الصحية والخدمات الإنسانية، هذا فى نفس الوقت الذى يتوجب أن تشمل الأجندات فى المدى المتوسط والبعيد الانتباه لمعالجة التدهور الاقتصادى للدول النامية، بالإضافة إلى توفير العناية الاقتصادية والاجتماعية للمجموعات المهمشة.
لقد وجه «كوفيد ــ 19» ضربة قاسية ومؤلمة لاقتصاد عالمى منهك وضعيف. إن سياسات الإغلاق للعمل والتباعد الاجتماعى التى تم تبنيها من أجل الحفاظ على الصحة العامة للبشر، شكلت هزات غير مسبوقة للمجتمعات فى مختلف أرجاء العالم، إذ نتج عن هذه السياسات انحسار وتراجع لاقتصادات كل من الدول المتقدمة والنامية. فبعض من الدول النامية التى تعتمد على نظم ومؤسسات صحية ضعيفة، والتجارة العالمية لمواردها الأولية، والسياحة، أو التحويلات من مواطنيها الذين يعملون فى الخارج ــ فقد تضررت هذه الدول بشكل كبير. فبالإضافة إلى هذه السلبيات على المدى القصير، هناك احتمال وإمكانية حدوث انحسار اقتصادى كبير على المدى المتوسط والبعيد المدى فى مثل هذه الدول، مما سيترك آثارا سلبية إضافية مثل انحسار الاستثمارات الجديدة، وتزايد البطالة للمهنيين والأيدى العاملة. ستؤدى هذه الخطوات السلبية بدورها إلى تقلص التجارة الدولية وصعوبة الحصول على الإمدادات الدولية. الأمر الذى سيؤدى بدوره إلى تضاؤل الإنتاجية فى العمل واضمحلال الحوكمة والمناخ اللازم لتشجيع الحركة الاقتصادية والتجارية وتشجيع الاستثمار فى التعليم والصحة العامة.
وعند تضاؤل آثار الجائحة، سيكون من الضرورى الالتزام بسياسات مالية وإصلاحات اقتصادية من قبل الدول المصدرة للنفط، التى تضررت فى نفس وقت الجائحة بانهيار أسعار النفط أيضا. أدى تفشى الجائحة عالميا والسياسات التى تم تبنيها لمواجهتها وتقليص آثارها إلى تبنى سياسات قلصت الطلب على النفط وزادت من المخزون النفطى. لقد لعب هذان العاملان دورا كبيرا فى انهيار أسعار النفط خلال شهر مارس، حيث انخفض سعر النفط خلال شهر واحد إلى مستوى قياسى. لجأت الدول المصدرة للنفط، ومعظمها من الدول النامية، إلى إنفاق مبالغ طائلة لدعم جهازها الصحى. وقد كانت تعانى بعض الدول النفطية النامية هذه مشاكل اقتصادية ومالية ضخمة قبل الجائحة وتدهور أسعار النفط. وفى المستقبل، ومن أجل أن تستطيع الدول النفطية الحصول على قروض وتمويل من المؤسسات المالية يتوجب عليها تبنى التزامات ذات مصداقية. ومن المتوقع أن توفر فرصة أسعار النفط المتدنية والريع النفطى لبعض هذه الدول إمكانية تبنى سياسات تسعير داخلية للطاقة تؤدى إلى ترشيد الاستهلاك، كما تساعد إلى تحسين المردود المالى فى المدى المتوسط.
ينوه البنك الدولى، أن الاقتراحات المذكورة أعلاه، للتعامل مع إصلاح الأضرار والتراجع الاقتصادى الذى طرأ على ضوء نشوب الجائحة، تتطلب تعاونا وتنسيقا دوليا لنجاحه.