الحاجة الملحّة للتقييم البحثى
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 19 يونيو 2024 - 6:45 م
بتوقيت القاهرة
هناك حاجة ملحّة لوجود جهات ومراكز بحثية رصينة لتقييم بعض المظاهر والممارسات المقلقة فى الساحات الثقافية العربية وللتفتيش عن مصادر شتّى المحاولات الجارية لتشويه تلك الثقافة ولإدخالها فى دروب خطرة. فمن الواضح أن هناك جهات استخباراتية تآمرية ومصادر مالية موبوءة، خارجية وداخلية، تقود حملات غامضة، ظاهرها الإصلاح وباطنها التدمير العبثى، من أجل التشكيك فى كل ثوابت الثقافة العربية، سواء الفكرية أو التاريخية أو الدينية المستنيرة أو السياسية المفصلية، وذلك من أجل إبقاء هذه الأمة فى وضعها المتخلف الممزّق الضائع الحالى.
هذه الجهات البحثية نحتاجها لتدرس وتنقد وتفضح أسباب انحراف بعض المثقفين العرب، مما كانوا محسوبين على التيار القومى الليبرالى التقدمى النضالى، إلى تكوين مجموعة من أفراد لا همّ لهم إلاّ التشكيك فى كل ما هو مقدّس دينى، وادّعاء قدرتهم على قراءة النصوص الدينية الأصلية، ومعرفة أهدافها الخفية ونقاط ضعفها وتناقضاتها، التى يعلنون اكتشافها المفاجئ والذى من الواضح أنه يخدم المشروع الصهيونى والأطروحات الأمريكية بشأن، المستقبل الدينى لمنطقة ما يسمونها بالشرق الأوسط الجديد.
والغريب أنه يندر وجود أى من علماء ومفكرى الدين الذين يتحدثون عنه، وهو الدين الإسلامى. وتظهر خفّة التعامل مع هذا الموضوع، البالغ الحساسية عند مئات الملايين من أتباعه، عندما لا يركز هؤلاء على التراث الفقهى، وهو يحتاج إلى مراجعة لأنه حصيلة جهد بشرى قابل للأخذ والعطاء، وإنما يصرّون على التشكيك فى كل ما هو مقدّس وبالتالى التشكيك فى كل مصادر ذلك المقدّس.
هذه الجهات البحثية نحتاجها لتدرس ما وراء الحملة الظالمة أثناء كل يونيو من كل عام، المعادة والمكررة بصورة مملّة، من أجل التشكيك فى كل ما نطق به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وفى كل ما حاولت الحركة الناصرية، ومعها القوى القومية الأخرى، من فعله لتوحيد الأمة العربية ولتحرير وطنها العربى الكبير، وفى كل محاولة جادة من قبل الحكم الناصرى لإجراء إصلاحات مجتمعية ثورية تقدمية كبرى. ما الهدف من وراء ذلك سوى التشكيك فى أذهان الجيل الجديد فى كل أسس الفكر العروبى القومى ممثلاً بالمشروع النهضوى العربى الداعى للوحدة العربية، والاستقلال الوطنى والقومى، والتنمية المستدامة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والتجدّد الحضارى. هم لا يتحدثون عن هذه النقاط لأنهم يعرفون بأنها عقلانية وضرورية، وإنما يركّزون على بعض المثالب الإنسانية فى الأشخاص الذين حملوا تلك المبادئ، حتى إذا شوّهوا صورتهم تشوّهت صور المبادئ التى حملوها.
من المستحيل أن تكون تلك الحملات بلا أهداف خبيثة وأهداف استعمارية غربية وصهيونية معروفة، سيحتاج الجيل الجديد أن يتعرف عليها مدروسة بعناية وعقلانية وضمير ثورى مستنير.
هذه الجهات البحثية سنحتاج أن تقيّم لنا النتائج فى الواقع العربى اليومى المأزوم لمئات الاجتماعات واللقاءات التى تنعقد طوال العام من قبل الكثير من المؤسسات العربية النضالية، وعلى الأخص المؤسسات القومية. إن وضع جهد مشكور لانعقاد تلك اللقاءات وقضاء بضعة أيام فى نقاشات تخرج منها اقتراحات جيدة ولكن دون أن تحملها أى جهات فى عمل نضالى ثورى تطبيقى لتلك المقترحات، هو جهد يحتاج إلى تقييم موضوعى متزن ومرتبط بالواقع.
هناك جهود فردية تقوم بمثل تلك التقييمات وخطابات كثيرة متكررة، ولكن المطلوب هو وجود جهات تضّم علماء ومثقفين ذوى خبرة وباحثين لتقييم نتائج تلك النشاطات ومن ثم تعديل مساراتها.