لماذا هاجمت إسرائيل إيران؟
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الخميس 19 يونيو 2025 - 1:20 ص
بتوقيت القاهرة
قد يبدو السؤال بسيطًا أو سهلًا، إلا أنه فى الواقع ليس كذلك من واقع محاولة الإجابة عنه. ففى البدء ذكر بعض المحللين والمراقبين، الذين لهم وضعيتهم بالطبع، أن سبب الهجوم العسكرى الإسرائيلى على إيران الذى بدأ فجر الجمعة 13 يونيو 2025، هو كما ذكر الجانب الإسرائيلى «ضربة استباقية»، لكن ليس لإحباط هجوم عسكرى إيرانى وشيك على إسرائيل كما ذكر الجانب الإسرائيلى، بل لإفشال المحادثات الأمريكية الإيرانية التى كان مقررًا لها أن تكون على مستوى وزيرى الخارجية وتجرى يوم الأحد 15 يونيو 2025، من قبل أن تبدأ هذه المحادثات أصلًا، ربما تخوفًا من توصل الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لاتفاق حول الملف النووى الإيرانى، قد لا تراه إسرائيل مرضيًا لها.
إلا أنه بعد ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلى على إيران فجر الجمعة 13 يونيو 2025، اتهمت مصادر إيرانية واشنطن بأنها متواطئة فى الهجوم عليها، كما صدرت تصريحات من مسئولين فى الإدارة الأمريكية تقر بأن إسرائيل ابلغتها سلفًا بنيتها توجيه ضربة عسكرية لإيران وتؤكد أنه رغم عدم مشاركة واشنطن فى الهجوم الإسرائيلى على إيران أو المساعدة على تنفيذه فإنها تقف بجوار إسرائيل وتدعمها وسوف تسهم فى الدفاع عنها إذا ردت إيران على الهجوم الإسرائيلى بمثله.
• • •
فلنعود إذن لنبحث فى ما نراه أنه أهم الأسباب الحقيقية للهجوم الإسرائيلى على إيران.
وأول هذه الأسباب من وجهة نظرنا هو القفز إلى الأمام، بل ربما إلى المجهول، من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بهدف الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وكذلك تحقيق هدف إطالة عمر الحكومة الإسرائيلية الحالية ورئيسها، من خلال بدء صراع عسكرى جديد وكبير فى المنطقة، فى ظل عجز عن حسم الحرب فى غزة على نحو يرضى الشعب الإسرائيلى ويلبى المعايير والتعهدات التى أخذتها تلك الحكومة على نفسها أمام شعبها وأمام العالم، وفى ظل ضغوط دولية متزايدة، حتى من جانب بعض أصدقاء إسرائيل، لإنهاء تلك الحرب بسبب المآسى الإنسانية المتعاظمة الناتجة عنها والدمار المادى غير المسبوق بالنسبة للشعب الفلسطينى، خاصة فى قطاع غزة. وبالتالى بدا فى بدء مواجهة عسكرية مع إيران، واسعة ومباشرة وفى العمق هذه المرة ومن المتوقع أن تمتد زمنيًا لفترة أطول نسبيًا مقارنة بالمرات السابقة، فرصة مناسبة للتغطية على هذا المأزق وللفت أنظار الداخل والخارج على حد سواء بعيدًا عما يحدث فى قطاع غزة.
أما ثانى الأسباب للهجوم العسكرى الإسرائيلى على إيران، فهو السعى لسرعة استكمال ما قامت به إسرائيل من قبل وعلى مدار أشهر من ضربات لإيران أحيانًا داخل وخارج إيران، وضربات أكثر استمرارية وقوة لحلفاء إيران الأساسيين فى المنطقة وفى مقدمتهم "حزب الله" فى لبنان، و"حماس" وغيرها من التنظيمات الرافعة للواء الإسلام السياسى فى فلسطين، سواء فى غزة أو فى الضفة الغربية، والجماعات الشيعية المسلحة الموالية لإيران فى العراق، وأخيرًا وليس آخرًا، جماعة الحوثيين فى اليمن، ونجحت إسرائيل من الناحية العسكرية بدرجة كبيرة فى إلحاق خسائر جسيمة بحلفاء إيران فى المنطقة من خلال تلك الضربات، وربما بدرجة أكبر فيما يتعلق بحزب الله وحماس. ومن ثم يجىء الهجوم الأخير ليستهدف إيران مباشرة بهدف تقويض دعائم قوتها العسكرية وبرنامجها النووى وإظهارها بمظهر العاجز عن الرد الفعال والمؤثر على الهجوم الإسرائيلى، مما قد يمهد الأمور، إذا ما نجح التصور الإسرائيلى فى فرض نفسه، لإخراج إيران، سواء بشكل كامل أو جزئى، فورى أو تدريجى، من المعادلة الشرق الأوسطية كطرف يعتبر ندًا لإسرائيل، منذ انتصار الثورة الإيرانية فى فبراير 1979.
وننتقل إلى ما نرى أنه السبب الثالث الذى دعا إسرائيل إلى الإسراع بالقيام بهجومها العسكرى الكبير ضد إيران، وهو تقديرات لدى الجانب الإسرائيلى بأنه مع مرور وقت أكثر يمكن لإيران أن تصل إلى مراحل أكثر تقدمًا، خاصة من الجانب النوعى، فى جاهزيتها العسكرية وفى تطوير نظم تسليحها وفى توظيف أفضل للتقدم التكنولوجى، بما فى ذلك معطيات الذكاء الاصطناعى، لخدمة قدراتها العسكرية، بما يجعل إيران، من وجهة نظر إسرائيل، أكثر خطورة على الأمن القومى الإسرائيلى، وتسرى نفس التخوفات الإسرائيلية أيضًا على درجة التقدم الذى يمكن أن يحرزه البرنامج النووى الإيرانى بمرور الوقت. وبالتالى فكان التقدير الإسرائيلى أن الإسراع فى توجيه ضربات قوية للبرنامج النووى الإيرانى وللبرنامج التسليحى الإيرانى بشكل عام وبنيته التحتية يصب فى صالح إسرائيل، ويحد، ولو نسبيًا، من الخسائر التى ستعانيها الأخيرة من جراء رد عسكرى إيرانى بشن هجمات مضادة عليها.
أما السبب الرابع للإسراع بالهجوم العسكرى الإسرائيلى على إيران فهو العمل على إجهاض تحضيرات كانت تجرى من خلال جهود دولية وإقليمية لإضفاء قدر من الحراك على وضعية القضية الفلسطينية على الصعيد العالمى، سواء من جهة بوابة اعتراف دول غربية هامة بالدولة الفلسطينية المستقلة، وكان من المقدر أن يكون فى مقدمتها فرنسا بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى، أو من جهة جهود مضنية بذلت من أجل عقد مؤتمر دولى تحت مظلة الأمم المتحدة بشأن إيجاد تسوية عادلة وشاملة ونهائية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وكان هناك ارتباط يكاد يكون عضويًا بين المسارين المذكورين، وقد نجحت إسرائيل بالفعل فى تحقيق هدفها ذلك فى ضوء إعلان الرئيس الفرنسى "ماكرون" منذ أيام، وبعد بدء الهجوم الإسرائيلى على إيران، تأجيل المؤتمر الدولى تحت رعاية الأمم المتحدة الذى كان مقررًا أن يتولى بحث كيفية تنفيذ حل الدولتين لتسوية القضية الفلسطينية.
أما السبب الخامس، والأخير الذى سوف نذكره هنا، مع الإقرار بإمكانية وجود أسباب أخرى، فهو سعى إسرائيل إلى أن تبرهن، ليس فقط أمام حلفائها، بل أمام جميع الأطراف الدولية والإقليمية، أن إسرائيل هى «الرجل القوى» فى المنطقة، وهى القادرة على لعب دور شرطى المنطقة، وهو الدور الذى كان آخر من لعبه هو شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوى قبل اندلاع الثورة ضده فى عام 1977 ثم انتصارها فى عام 1979، وقد تعززت قدرة إسرائيل على لعب هذا الدور بعد ما سمى بمعاهدات السلام الإبراهيمية، والتى تمت برعاية وتشجيع أمريكيين خلال فترة الولاية الرئاسية الأولى للرئيس «دونالد ترامب» (2016 - 2020)، وأدت إلى إنهاء حالة الحرب وإقامة السلام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربعة دول عربية فى ذلك الوقت، ومن شأن نجاح إسرائيل فى الوصول إلى تحقيق تلك النتيجة، إذا حدث ذلك، أن يجعل يدها منطلقة فى المنطقة من جهة، ويجعلها بوابة المنطقة تجاه العالم الخارجى من جهة أخرى، ويجلب لها مكاسب جمة ومتنوعة، سواء فى مجالات التكنولوجيات المتقدمة غربًا وشرقًا أو التعاون العلمى المشترك مع قوى دولية كبرى أو استفادة اقتصادية واسعة وضخمة من خلال تعزيز للتجارة والاستثمار مع دول العالم والمنطقة، وأخيرًا وليس آخرًا فى مجال المزيد من تطوير قدراتها العسكرية.
• • •
وربما تسهم الأسباب الخمسة التى ذكرناها فيما سبق فى هذا المقال على فهم دوافع إسراع إسرائيل بالقيام بهجومها العسكرى ضد إيران، ولكن بالتأكيد سوف يتعين علينا مراقبة مجريات الأمور وتطور المواجهة العسكرية بين البلدين عن كثب لمعرفة كيفية مسار الأحداث والبدء فى التفكير فى سيناريوهات تطورها وفرص وأشكال انتهائها والنتائج التى يمكن أن تسفر عنها وتترتب عليها.