الخلاف بين إسرائيل والإدارة الأمريكية بشأن الاتفاق على إنشاء منطقة أمنية فى جنوب سورية يستند إلى ادعاءين: أن الولايات المتحدة وروسيا لم يأخذا فى حسابهما المصالح الأمنية لإسرائيل، وأن الاتفاق يرسخ موقع إيران فى سورية. لذا يرى نتنياهو أن الاتفاق سيئ بالنسبة إلى إسرائيل ويجب إبطاله.
بهذه الطريقة، تحاول إسرائيل بصورة رسمية وعلنية القبول بها كشريكة فى عملية الحل السياسى والعسكرى للحرب فى سورية. وبخلاف كامل مع سياستها السابقة التى حرصت فى أفضل الأحوال على ادعاء أن الحرب فى سورية لا علاقة لها بها، لكنها عمليا نشطت من وراء الكواليس سواء من خلال إنشاء علاقات مع جزء من الميليشيات فى جنوب سورية وفى هضبة الجولان، أو من خلال مشاركتها فى النقاشات التى جرت فى الأردن مع مبعوثين أمريكيين وروس بشأن مستقبل المناطق الأمنية. وها هى الآن تضع نفسها على خط النار الدبلوماسى.
لكن قبل أن يصعد نتنياهو إلى جبل مرتفع جدا، بدأت المعركة تشبه صراعه ضد الاتفاق النووى مع إيران. إن مكانة إيران فى سورية لم تتحدد فى هذا الاتفاق الذى لم يدخل بعد قيد التنفيذ وليس واضحا كيف سيُنفّذ. إيران موجودة سياسيا وعسكريا فى سورية قبل بدء الحرب هناك وبصورة أكبر منذ بدأت. ومنذ سنوات تنشط قوات إيرانية نظامية إلى جانب ميليشيات شيعية ممولة ومدربة من إيران، وكذلك وحدات من حزب الله، فى قطاعات عديدة فى شتى أنحاء سورية.
لكن فى مقابل العمليات التى تقوم بها القوات الإيرانية وتلك الموالية لها من دون عوائق يحاول الاتفاق ترسيم حدود القطاع الذى تستطيع إيران مواصلة العمل فيه. وبرزت فى هذا الشأن عدة خلافات جوهرية بين إيران وروسيا برغم الاعتقاد بأن الدولتين تتعاونان معا. وعموما نجحت روسيا فى إبعاد إيران عن عدة جبهات فى وسط سورية، وفى إبعاد قوات حزب الله بالتعاون مع تركيا من شمال سورية، وترسيخ نفسها حارسا لاتفاقات إنشاء مناطق «منخفضة التصعيد»، كما يسمون المناطق الأمنية.
فى أعقاب اتفاق وقف النار الذى وُلد فى لقاء القمة بين ترامب وبوتين فى هامبورغ، وبعد توقيع اتفاق إنشاء المنطقة الأمنية فى جنوب سورية، تحدثت مصادر فى المعارضة السورية عن انسحاب جزء من قوات حزب الله من منطقة درعا والسويدا وعن إعادة انتشارها فى منطقة حوران. وهذا الانسحاب هو جزء من الاتفاق، وهدفه الاستجابة لمطالبة الأردن بانسحاب القوات الإيرانية بمقدار 40 كيلومترا على الأٌقل عن حدوده مع سورية. وتوجد هذه القوات على بعد مشابه من الحدود مع إسرائيل فى هضبة الجولان. وإيران التى عارضت قيام قوات روسية بمراقبة وقف اطلاق النار وإنشاء منطقة أمنية فى جنوب سورية وعارضت كذلك ضم منطقة السويدا والقنيطرة إلى تلك المنطقة، اضطرت إلى الخضوع للإملاء الروسى (الذى وافقت عليه واشنطن)، وذلك كى تستطيع تحقيق انجازات فى المنطقة الأمنية التى ستقام فى وسط الدولة وفى منطقة إدلب، التى بدأت النقاشات بشأن انشائها فى الأيام الأخيرة.
إن الاتفاق على منطقة جنوب سورية هو جزء من منظومة متشابكة تضم الأردن وتركيا وإيران وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، ومع أن إسرائيل ليست عضوا رسميا فيها، فإن لكل واحدة من هذه الدول مطالب وخطوطا حمراء يجب التقيد بها كى تستطيع هذه الاتفاقات إنشاء واقع جديد. وهكذا، على سبيل المثال، ستضطر تركيا إلى التخلى عن مشاركتها فى مراقبة المناطق الأمنية فى الوسط والجنوب كى تحصل على مراقبة المنطقة الأمنية الشمالية المهمة بالنسبة لها بصورة خاصة. وتنازلت إيران عن المراقبة المباشرة فى المنطقة الجنوبية ووافقت على سحب جزء من قواتها، كى تُرسّخ وضعها فى وسط سورية وفى المنطقة الجنوبية الشرقية على الحدود مع العراق.
وهنا تبرز معادلة القوة الإقليمية الجديدة التى روسيا فيها هى رب البيت فى سورية وليست الولايات المتحدة، وفى المقابل، تتمتع إيران وتركيا بموقع قوة كبيرة يمكنهما من خلاله المساعدة أو المس بقدرة روسيا على إدارة استراتيجيتها. وللمرة الأولى تحصل إيران على موقع سياسى فى نزاعات إقليمية، موقع على الدول العظمى أن تأخذه فى حسابها عندما تقوم بوضع حل سياسى للحرب.
إن معارضة إسرائيل للاتفاق، وخاصة وصفه كتراجع أمريكى عن الالتزامات التى قُدمت لها، وأيضا كتقصير أمريكى، تقحم بذلك نفسها داخل موازين قوى حيث موقعها فيها متدن، فى الأساس بسبب سياسة الولايات المتحدة فى سورية. فى نظر الرئيس الأمريكى هذا الاتفاق هو إنجاز سياسى لأنه فتح ثغرة فى الحائط المسدود فى علاقاته مع بوتين. لكن ليس لدى ترامب، على الأقل وفقا لتصريحاته حتى الآن، أى اهتمام بأن تتدخل قوات أمريكية فى إدارة المناطق الأمنية فى سورية. وبتوقيعه على الاتفاق، فإنه يمنح روسيا تفويضا دوليا لتنفذ وحدها ما اتفق عليه.
إن الهجوم الإسرائيلى على الاتفاق لن يؤدى إلى انسحاب ترامب منه، بل من الممكن أن يضع إسرائيل على مسار احتكاك مع هذه الإدارة. إذا كانت إسرائيل تبحث عن عنوان تتهمه، فإنه موجود فى موسكو التى تعهدت بأن تأخذ فى حسابها المصالح الأمنية الإسرائيلية ووافقت أيضا على مشاركتها فى المحادثات فى الأردن بشأن ترتيبات المناطق الأمنية. هذا بالإضافة إلى «الترخيص» الذى مُنح لإسرائيل بالعمل فى الأجواء السورية ضد شحنات السلاح الموجهة إلى حزب الله.
لا تستطيع إسرائيل إطلاق وابل من الشتائم ضد روسيا. ولكن فى المقابل، الاختلاف مع الولايات المتحدة فى مسألة سورية، بطريقة تبدو فيها إسرائيل وكأنها متضررة من سياسة الولايات المتحدة، قد يثمر عن فوائد لها فى مجالات أخرى.
تسفى برئيل
هاآرتس