لا شيء يجعل الناس يقبلون علاج قضايا حياتهم بالصدمة تلو الصدمة، ويتعايشون مع كل فكر وتفسير لا عقلانى، ويدخلون فى صراعات مريرة ضد بعضهم البعض بحجة اختلافاتهم الدينية والطائفية والعرقية والجنسية. ولاشىء يجعلهم مهيئين لقبول كل ذلك أكثر من إدخالهم فى حالة ذهنية مشوشة بسبب تلاحق الأحداث العبثية وغير المنطقية فى حياتهم اليومية.
تشوش الذهن الذى لم يعد صاحبه يفهم ما الذى يجرى حوله، ولا يدرك تفسيرات منطقية تدلُه على الأسباب والمسببات، وهو ما يحدث فى اللحظة الراهنة للإنسان العربى. تلاحق الأحداث المأساوية عبر الأرض العربية كلها والأوجاع العميقة التى تنتج عنها فى النفس العربية تجهل لدى الإنسان العربى قابلية لقبول التفسيرات غير المنطقية والقصص التآمرية الخيالية التى تبثُها الكثير من الجهات الرسمية والكثير من الجهات المدنية التابعة لها.
فجأة أصبحت لدى الإنسان العربى المشوش الذهن قبول كل ما يقال له عما يحدث فى أقطار عربية من مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر ولبنان وفلسطين المحتلة، أو فى مناطق من مثل الخليج العربى والمغرب العربى ووادى النيل. وما يقال أصبح ينحصر فى شيطنة هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الحزب أو ذاك، أو هذا الحاكم أو ذاك، أو هذه الدولة الإقليمية غير العربية أو تلك.
والنتيجة هى تلك الانقسامات الحادة بين الناس، وحروبهم ضد بعضهم البعض، وخوفهم من بعضهم البعض، وانشغالهم بتخوين بعضهم البعض.
والرابحة فى نهاية المطاف، والواقفة فى زاوية تتفرج على كل ذلك وتقهقه، هى الجهات التى تقف وراء كل الاحداث، والتى تستفيد من صدمات كل تلك الاحداث، والتى يهمُها أن تبقى النيران مشتعلة حتى تأكل الأخضر واليابس ويدخل العرب، كل العرب فى تيه الإفناء الذاتى المجنون.
***
من هنا الأهمية القصوى لأن تطرح كل الجهات، التى خدعت وسيقت كالنعاج، على نفسها هذا السؤال: من وما هى الجهات التى تستفيد إلى أبعد الحدود مما يحدث الآن فى كل أرض العرب؟ هذا السؤال يحتاج أن يسأله المسلمون السنة والشيعة والزيدية والإباضية وغيرهم، أن يسأله القوميون والإسلاميون، أن يسأله العلمانيون والمتدينون، أن يسأله رؤساء القبائل، أن تسأله الحركات النسائية، أن يسأله الحقوقيون بكل أشكالهم.
وهذا السؤال لن يكون فى الصميم وموجها إلى الجهات الحقيقية المسئولة عما يحدث والمستفيدة مما يحدث إلا إذا اتفق الجميع على تهدئة الصراع فيما بينهم إلى حين معرفة جواب ذلك السؤال، وبشرط ان يتحدُث الجميع صواب الإجابات المزيفة الكاذبة التى تقدمها يوميا وسائل إعلام الجهات المستفيدة حتى تبعد الشبهات عن نفسها، وتلقى باللوم على الجميع فيما عدا نفسها.
قائمة الجهات المستفيدة، حسب تنوع الأحداث وتنوع أمكنة حدوثها، لا يمكن أن تخرج عن الشركات العولمية التى لها مصالح للاستيلاء على ثروات العرب أو بيعهم السلاح أو مزاحمة شركات أخرى، أو عن جهات حكم لها طموحاتها المجنونة فى الحاضر وتحتاج أن تحصل على المديح وتسلّم الأمور بيدها، أو عن المستفيد الأكبر والأعظم من مثل الكيان الصهيونى، أو عن صراعات النفوذ الدولى فى هذه البقعة أو تلك، أو عن مؤامرات مؤسسات التجسُس والاستخبارات الدولية أو المحلية الإقليمية.
لنلاحظ أن وسائل الإعلام التى تهيمن عليها الجهات المستفيدة لن تشير إلى أيُ من جهات القائمة، وإذا أشارت إليها فى الحالات النادرة فإنها ستقرنها بالمواضيع الطائفية أو الدينية أو القبلية أو العرقية أو المناطقية، وذلك من أجل تشويه أفكار الناس وإبعادهم عن معرفة المستفيدين الحقيقيين.
***
سياسة فرق تسد لها ألف وجه ووجه وألف أداة وأداة. وهى مجربة وناجحة إلا إذا ووجهت بطرح الأسئلة الصحيحة فى أجواء مجتمعية لا تغلب عليها الصراعات العبثية فيما بين مكونات المجتمعات.
عند ذاك لن تكون الإجابة المجتمعية على الأسئلة نظرية وإنما ستنتقل إلى الواقع لتعالجه من خلال تلاحم وتعاضد مكوُنات المجتمع فى وجه المستفيدين الحقيقيين من تباعد الناس عن بعضهم البعض.
المسئولون فى مؤسسات المجتمع المدنى العربى مدعوُه لإنهاء استغلال خلافاتهم الطبيعية لأجل مصالح الطائفيين الموتورين، أو شركات البترول الكبرى، أو المغامرين الانتهازيين من رجالات الحكم فى بعض بلاد العرب، وذلك كله بإدارة الاستخبارات الدولية المعروفة.