روسيا تتصدر قائمة المستثمرين فى منطقتنا العربية
العالم يفكر
آخر تحديث:
الخميس 19 يوليه 2018 - 10:33 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب «عدنان كريمة» يتناول فيه تزايد حجم الاستثمارات الروسية فى المنطقة فى ظل تراجع وانحسار الدور الأمريكى.
يستهل الكاتب حديثه عن أن الصراعات الأمنية والسياسية التى بدأت مع «الربيع العربى» فى العام 2011، أنتجت خسائر مالية واقتصادية كبيرة قدرت بأكثر من تريليون دولار، وأصبحت تهدد بإحداث تحولات فى المشهد الاجتماعى والإنسانى والسياسى والاقتصادى، وقد تؤدى إلى بروز «اقتصاد سياسى» إقليمى جديد يسهم فى تحديد علاقات الدول العربية مع القوى العالمية فى المرحلة القادمة، والتى ستشهد حركة استثمارات كبيرة فى تمويل إعادة إعمار ما هدمته الحروب، والاضطرابات الأمنية المتعددة والمختلفة الأهداف.
قبل صراعات «الربيع العربى»، وخلال الفترة 2005 ــ 2010، بلغ النمو الاقتصادى فى الدول العربية نحو 6 فى المائة، نتيجة الاستفادة من فائض استثمارات النفط وارتفاع سعر البرميل. لكن هذا النمو تراجع إلى 3.5 فى المائة خلال الفترة 2011 ــ 2014، بسبب الاضطرابات الأمنية والتطورات السياسية التى خلفت أضرارا هائلة بالبنية التحتية، ما أدى إلى ارتفاع حاجتها الاستثمارية من 450 مليار دولار إلى 700 مليار دولار. واستمر تراجع النمو فى السنوات اللاحقة بشكل تدريجى، حتى وصل فى العام 2017 إلى أقل من 2 فى المائة.
تمويل الإعمار
بدأت مؤسسات التمويل الدولية باهتمام جدى دراسة إمكانات تمويل إعادة الإعمار وتحديد مصادر هذا التمويل فى ضوء استعداد عدد كبير من الشركات العالمية، فضلا عن شركات عربية خليجية، للدخول فى ورشة تنفيذ المشاريع المطلوب تمويلها.
وفى سياق مؤشرات متفائلة، رسم صندوق النقد الدولى صورة للعامين الحالى والمقبل، متوقعا ارتفاع النمو الاقتصادى فى المنطقة العربية إلى 3.4 و3.7 فى المائة على التوالى. لا شك فى أن تفاؤل الصندوق بتحسن النمو جيد، لكن يبدو أن المعدل المتوقع لا يزال بعيدا عن المعدل المطلوب، والذى يتراوح بين 5 إلى 6 فى المائة سنويا، كى تتمكن أسواق العمل العربية من استيعاب العمالة الجديدة وتحقيق خفض نسبى لمعدلات البطالة، بخاصة لدى الشباب، حيث يرتفع المعدل إلى ما يمثل نحو أكثر من ضعفى معدل بطالة الشباب على مستوى العالم، أى نحو 29.1 فى المائة فى العام 2017.
مناخ الاستثمار
مع الأخذ بالاعتبار أن المال يفتش دائما عن الأمن والاستقرار والاستثمار المضمون بنسبة مرتفعة، فإن المنطقة العربية لا تزال تحتفظ بموقعها فى المرتبة الرابعة عالميا بين 7 كتل اقتصادية وتجمعات جغرافية فى مؤشر «جاذبية الاستثمار»، الذى يقيس إمكانات 109 دول على جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن هنا تبرز أهمية هذه المنطقة للاستثمار العالمى، خلال السنوات المقبلة.
ولذلك يلاحظ أن الاضطرابات الأمنية والسياسية لم تمنع تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر إلى المنطقة العربية. ووفق تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات ومقرها فى الكويت، بلغ حجم تدفق الاستثمار الوارد إلى الدول العربية 28,7 مليار دولار فى العام 2017، وشهدت أرصدة الاستثمار الأجنبى المباشر الوافدة إلى المنطقة ارتفاعا إلى 871,3 مليار دولار، وبحصة 2.8 فى المائة من الإجمالى العالمى البالغ 31,5 تريليون دولار. وقد استحوذت ثلاث دول (السعودية، الإمارات، مصر) على 54.2 فى المائة.
الاستثمار الروسى
إذا كانت مصر قد حلت فى مقدمة الدول المستقبلة للمشاريع بقيمة 37,7 مليار دولار، وبحصة 53.4 فى المائة من الإجمالى، فإن روسيا قد تصدرت قائمة أهم المستثمرين فى المنطقة بقيمة 32,8 مليار دولار، وبنسبة 46.4 فى المائة.
ومع التوسع فى الاستثمارات المالية والمشاريع النفطية والصناعية والاقتصادية، وكذلك الاتفاقات العسكرية بين القاهرة وموسكو، تستعيد روسيا لحظات الاختراق الاستراتيجى الذى سجله الاتحاد السوفيتى منذ نحو 60 سنة مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. ووفق وزارة التجارة والصناعة فى القاهرة، يبلغ حجم الاستثمارات الروسية غير البترولية فى مصر نحو 66,5 مليون دولار، تم ضخها فى 434 مشروعا. مع الإشارة إلى أن روسيا تستفيد من فائض تجارى كبير بلغ 6,2 مليار دولار فى العام الماضى، إذ صدرت إلى مصر بقيمة 6,7 مليار دولار، واستوردت منها بقيمة 500 مليون دولار فقط، وفق إحصاءات جهاز الجمارك الروسى.
ويضيف الكاتب أن الاستثمار «الاستراتيجى» الذى تركز روسيا عليه لضمان مصالحها ونفوذها، ليس فى مصر فقط بل فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فهو يشمل النفط والغاز والصناعات الكبيرة والكهرباء من الطاقة النووية، ويقدر حجمه بما لا يقل عن 40 مليار دولار، وأهمها، إنشاء منطقة صناعية روسية فى محور قناة السويس باستثمار يصل إلى نحو7 مليارات دولار، على امتداد 10 سنوات بدءا من العام الحالى. وهناك مشروع بناء محطة للطاقة النووية فى منطقة الضبعة، والذى تم إطلاقه فى ديسمبر الماضى، وحددت روسيا البدء فى بنائه فى العام 2020. وفضلا عن ذلك، هناك مشاريع النفط والغاز، منها مساهمة شركة «روس نفط» بنسبة 30 فى المائة من حقل الغاز «ظهر»، الذى يعد الأكبر فى المتوسط وتقدر احتياطاته بنحو 850 بليون متر مكعب، اشترتها من شركة الطاقة الإيطالية «إينى» فى إطار صفقة بلغت قيمتها 2,8 مليار دولار. كذلك شركة «غاز بروم»، وهى من أبرز شركات استخراج الغاز الطبيعى فى العالم، وقد بدأت خطواتها الاستثمارية فى مصر نهاية العام 2012، ووقعت فى إبريل 2015 اتفاقية توريد نحو 35 شحنة غاز مسال لمصر على مدى خمس سنوات بمعدل 7 شحنات سنويا حتى العام 2020.
وختاما يضيف الكاتب أن روسيا توسعت كذلك فى استثمار النفط والغاز فى سوريا ولبنان، وحتى فى العراق، مع استمرار خلافها مع حكومة بغداد بسبب إقدامها على استثمارات نفطية مع حكومة كردستان فى أربيل. ولا شك فى أن الروس تمكنوا من إحداث اختراق كبير فى التحالفات المرتقبة فى المنطقة، وذلك بفضل جرأتهم وشجاعتهم والتمسك بحلفائهم، فى مقابل «دولة أمريكا المترددة»، ولكن بالطبع فإن روسيا لن تحل محل أمريكا، مع التأكيد على أن انحسار الدور الأمريكى فى العالم وفى منطقة الشرق الأوسط تحديدا، سيساعد فى «تسخين» العلاقات مع موسكو.
النص الأصلى