لا لمدينة الخيام!
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 19 يوليه 2025 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
أعلنت مصر، بكل حزم، رفضها الكامل لإنشاء مدينة للخيام جنوب القطاع، أو إجراء أى تغيير ديموغرافى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وذلك خلال اتصال هاتفى أجراه بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، مع ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكى الخاص إلى الشرق الأوسط. وتناول الاتصال الجهود المكثفة المبذولة حاليّا للتوصل إلى وقف إطلاق النار فى غزة، والعمل على استدامته، وكذلك الدفع باتجاه إطلاق سراح مجموعة من المحتجزين مقابل وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، دون عوائق وبشكل كافٍ، فى ظل الأوضاع الكارثية فى القطاع المنكوب.
تصرّ إسرائيل على انتهاك قواعد القانون الدولى بمحاولات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، لحشرهم فيما أطلقت عليه «مدينة إنسانية»، وهى فى حقيقتها مدينة للخيام، لا تحمل من اسمها شيئًا؛ فلا هى مدينة، ولا هى إنسانية، بل مجرد منطقة منغلقة معزولة، ليعيش الفلسطينيون فى الخيام نكبةً جديدة، تزيد من مأساتهم مأساةً جديدة.
الخطة التى طرحها وزير الدفاع الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، والتى يلقى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، بكل ثقله خلفها، قوبلت برفض فلسطينى وعربى وعالمى، إلى جانب ارتفاع الأصوات فى الداخل الإسرائيلى لرفضها، سواء من قبل الجيش ورئيس الأركان إيال زامير، والمعارضة، وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود أولمرت، الذى هاجم علنًا المدينة باعتبارها تطهيرًا عرقيّا. نتنياهو، كعادته، ينفذ خططه لمحو الفلسطينيين وليس حماس، كما يدّعى، وكلما زاد الرفض والانتقادات، مضى فى تنفيذ خططه الإجرامية.
ومن صدف القدر أن الصهاينة يخططون لإنشاء مدينة الخيام بنفس الأسلوب الذى هم ذاتهم يولولون أنهم كانوا ضحاياه، سواء فى معسكرات النازى خلال الحرب العالمية الثانية، أو فى معسكرات الحلفاء التى وُضع فيها ذوو الجنسيات المزدوجة خوفًا من أن يكونوا جواسيس. يشرب الفلسطينيون، أصحاب الأرض، من نفس الكأس الذى تجرّعه الصهاينة.
دول العالم، وفى مقدمتها مصر، والمنظمات الدولية والإنسانية، أعلنت رفضها لهذه الخطة الشريرة. وأكدت مصر، مرارًا وتكرارًا، رفضها خطة تهجير الفلسطينيين، كما أكدت رفضها الكامل لكل الأفكار التى تتردد حول إنشاء مدينة «الخيام» فى جنوب قطاع غزة أو إجراء أى تغيير ديموغرافى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة. كما رفضت السلطة الفلسطينية الخطة بشدة، محذّرة من أنها تمثّل غطاءً لتهجير قسرى. وأكدت حماس رفض أى مشروع يبقى أهالى القطاع محاصرين فى جزء صغير من غزة.
وشددت الأمم المتحدة على وقوفها بحزم ضد أى خطة تنطوى على تهجير قسرى للمدنيين فى غزة أو إجبارهم على اتخاذ خيارات مستحيلة. فالمدينة المقترحة تمثل بحد ذاتها مشكلة، وتثير مخاوف بشأن المزيد من التهجير القسرى للفلسطينيين فى غزة، فضلًا عن الدعوات الإسرائيلية إلى النقل الطوعى للفلسطينيين إلى دول ثالثة.
وتكمن الصعوبة القانونية فى عدة جوانب من الخطة، بدءًا من نقل السكان إلى المدينة، مرورًا بمنع الخروج منها، ووصولًا إلى تشجيع الهجرة من غزة. وإكراه السكان على المغادرة إلى هذه المنطقة، والانتقال من مكان إلى آخر، يخالف القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، ويُعتبر جريمة حرب تُضاف إلى سجل إسرائيل فى ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.
وكان وزير دفاع الاحتلال قد كشف عن تفاصيل هذه الخطة، التى تقوم على إنشاء منطقة مغلقة فى جنوب غزة من الصفر، خلال هدنة محتملة مدتها 60 يومًا. وتستهدف الخطة فى مرحلتها الأولى نقل نحو 600 ألف نازح فلسطينى إلى هذه المنطقة، مع إقامة أربعة مراكز لتوزيع المساعدات تديرها منظمات دولية، على أن يتم نقل جميع سكان غزة لاحقًا. وبمقتضى هذه الخطة، سيخضع سكان غزة لعمليات تدقيق أمنى بهدف التأكد من عدم انتمائهم لحماس، وبمجرد دخولهم المنطقة، لن يُسمح لهم بالمغادرة.
هذا السجن العملاق، على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية، وإصرار إسرائيل على البقاء فى محور موراج، يعطلان المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار فى غزة. كما أن موقف نتنياهو، الذى يماطل من أجل تأجيل الوصول إلى هدنة أو حتى اتفاق جزئى، يمثل أيضًا إحراجًا لإدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الذى أعلن تفاؤله بقرب التوصل إلى صفقة، رغم عدم إعلانه العلنى لمعسكر مدينة الخيام.
هذه الفكرة الشريرة تعود بالإنسانية إلى سنوات من الظلام، لأن حقوق الشعوب، وأولها الحرية، لم تعد من مفردات العالم «الحر»، أو بالأحرى «غير الحر». مرةً أخرى، لا، وألف لا، لمدينة الخيام هذه.