من سكرة الشاطئ إلى مناسك الحج!
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 19 أغسطس 2018 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
على الرغم من سخونة الأجواء فى سماء الخليج الملبدة بالغيوم السوداء والخوف من عواصف قادمة وأخرى مرت ولا تزال آثارها هنا وهناك، وعلى الرغم من كل ذلك فإن بعض أهلنا فى الخليج حملوا «شنطهم» ككل عام وارتحلوا إلى أصقاع الأرض الأربعة كل حسب حسابه البنكى وقدراته المالية أو حتى ما يستطيع أن يقترضه من بنوك تتفنن فى استغلال الوضع الاقتصادى الصعب الذى تمر به دول المنطقة ككل إن لم يكن كل العالم.. وشعوبها التى أنهكتها القروض المزمنة مجاراة لنمط حياة أوسع من الجيب!
***
تكتظ المدن والشواطئ القريبة منها والبعيدة بأطياف من شباب وشابات وشيوخ ونساء ورجال كلهم يبتغون مساحات ربما للترفيه والترويح عن النفس وهربا من صيف غائض لا يتحمله شجر ولا بشر ولا حجر.. أو ربما لبعض الحرية المفقودة فى أوطان أتقن مواطنوها العيش لأكثر من حياة فى اليوم الواحد.. ينتقلون من أقاصى المحافظة ومظاهر التدين إلى الحريات الكاملة التى تبدو فى كثير من الأحيان تعبير أكبر عن حجم الأزمة الاجتماعية التى تعيشها هذه الأوطان قبل الأزمات السياسية والاقتصادية...
***
وضمن نمط استهلاكى تشرب فى ثقافة الخليج ما بعد النفط، لا يمكن أن تكتمل السفرات والرحلات دون المرور عبر المراكز التجارية والتسوق فى الشانزليزيه ونايتس برج وأكسفورد ستريت فى طقوس تسوقية تشبه الهوس بالاستهلاك من أجل الاستهلاك.. على الرغم من أن مدنهم قد اكتظت بمراكز التسوق التى أصبحت مع الوقت المساحات المفتوحة الوحيدة للترفيه حتى لو كان عبر النظر إلى الفاترينات لكل الذين لا يملكون إلا رفاهية التفرج فالخليج ليس كله أثرياء كما يعتقد البعض أو حتى متوسطى الحال كما لا تزال تنشر الصحف التى لم تستطع حتى الآن فهم هذه المنطقة عبر دراسة معمقه لها وفضلت الصور النمطية الممجوجة...
***
فى منتصف الصيف أو أواخره يغتسل الخليجيون من «إثم» زيارات مدن «الكفار» أو من ممارسة بعض الكفر بالاتجاه صوب مكة فهذا موسم الحج.. إذن لنخلع الشورت والملابس المختصرة جدا والمايوهات وغيرها ولنستر نفس الجسد بالملابس البيضاء النقية ونتحول من الملاهى الليلية إلى السهر فى التعبد وترتيل القرآن فى الحرم المكى..
تبدو الصورة طبيعية جدا للكثيرين حتى إن القليل من نفس الممارسين لهذه الازدواجية المرضية بعض الشىء يتحدثون عنها بشكل من البساطة المتناهية حتى يخيل لك أنك تستمع إلى فيلم بوليوودى رخيص عندما يسقط البطل من السماء لينقذ البطلة من أيدى عصابة الأشرار فيصفق الجمهور المسكين فرحا بهذه القدرات الفوق بشرية!
***
يعود بعضهم سريعا من شواطئ كانت لا تعرف النوم إلا عند ساعات الصباح الأولى من الجزر اليونانية أو الريفيرا الفرنسية أو الايطالية إلى أوطانهم لسويعات حتى ينتقلوا من طقوس الإجازة والتماهى بالسياح الآخرين، إلى طقوس العبادة والخشوع وتغطية الجسد «العورة» والشعر أيضا هو الآخر موضع نقاش مطول فى أوطان كثر فيها الجوع والفقر والبطالة بين أكثر فئات الشباب.. فيبدو أن أولوياتنا الآن هى هل الحجاب فرض على كل مسلمة وحديث مطول عن الثواب والعقاب..
***
لا بأس إذن فى مثل هذه الأجواء والناس بمجملها مغيبة فى بحور الحوارات السطحية والغوص فى فهم دخول المنزل بالرجل اليمنى فيما ترسم خرائط مستقبلهم على رمال الصحراء وتنتشر القواعد العسكرية وتقترب منهم البوارج وتمتلئ سماؤهم التى لم تكن سوى سكن للنجوم الهادئة والحالمة، تتحول إلى مساحات مفتوحة للطيران الحربى القادم من كل حدب وصوب.. مع كل ذلك ينغمس الجميع فى فعل ما يبدو ــ أو ما فسره لهم ذاك الشيخ الذى لم يتعد فى علمه ومعرفته الابتدائية ــ شكلا من أشكال الكفر لبعض الوقت الذى يمحوه بالطواف حول الكعبة والاستغفار، أليس الله غفور رحيم؟! إذن فهو قادر على أن يمحو كل تلك المعاصى المظهرية البحتة فيما الحديث عن المعاصى الحقيقية لا يقترب منه أحدهم لأن به مس بالهامات الكبرى وأولى الأمر!
***
مرحى للقادمين من شواطئ لازوردية إلى رحاب الحج ليغتسلوا ثم يعيدون ارتكاب المعاصى حتى موعد الحج القادم.. هذه الازدواجية القاتلة التى ستتحول يوما ربما إلى مادة للكتب المدرسية حول تاريخ كان لأشباه مدن وأشباه دول وأشباه شعوب.