إسرائيل الكبرى.. الرؤية والواقع

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

هل يمكن لإسرائيل تنفيذ ما قاله رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بشأن حلم أو رؤية أو أوهام تنفيذ «خريطة إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، التى أعلن عنها يوم الثلاثاء الماضى، أم أن التصريحات مجرد «أحلام توراتية» لدغدغة مشاعر اليمين الإسرائيلى الدينى المتطرف؟

هل هناك إجابة محددة وقاطعة وحاسمة لهذا السؤال؟.

أغلب الظن لا، لكن عندما تطالع ردود الفعل العربية الرسمية والشعبية فإن معظمها إما يميل إلى التفاؤل الشديد وإما إلى التشاؤم الأشد.

وظنى أن الإجابة الصحيحة ربما تكمن فى مسافة ما بين الموقفين، لكنَّ المؤكد أن عدم وجود موقف فلسطينى عربى دولى حاسم سيجعل إسرائيل تطبق هذه الأوهام التوراتية على أرض الواقع إذا استمر الحال العربى بنفس المستوى.

قرأت بعض الكتابات العربية ووجدت أنها تقلل وتسفِّه من تصريحات نتنياهو، وتعتبرها بلا قيمة أو مضمون، وأن طرحها فقط لأغراض سياسية داخلية تخص الائتلاف المتطرف الحاكم والخوف من تفككه، وبالتالى يرون أن هذه التصريحات مجرد دعاية بلا قيمة.

أما أصحاب وجهة النظر الأخرى المتشائمة، فهم واثقون من أن إسرائيل القوية الباطشة المدعومة، بالكامل من الولايات المتحدة سوف تطبق وتنفذ هذه الخطة على الأرض ولا يوجد ما يمنعها عمليًا من ذلك.

هم يقولون إن الفلسطينيين منقسمون والعرب عاجزون، والقوى الإقليمية، والدولية إما صامتة وإما متآمرة، وبالتالى، فإن كل الشواهد تقول إن إسرائيل ستتمكن من رسم وتنفيذ خريطتها الكبرى من النيل إلى الفرات، خصوصًا بعد أن وجَّهت ضربة قاصمة للمقاومة فى غزة، وتكاد تهوِّد الضفة وتحتل نقاطًا استراتيجية فى لبنان، وساعدت فى إسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، ووجهت ضربات نوعية لإيران، ولم يعد يقف فى طريقها شىء، بفعل الدعم الأمريكى المفتوح والكامل والسافر، ولم تعد تعبأ بأى قوانين أو شرعية دولية.

السؤال المنطقى والبسيط هو: ما هى الإجابة الأقرب للمنطق والعقل والتوقع؟

الإجابة ببساطة أن الأمر لا يتوقف فقط على رغبة إسرائيل، بل الأهم على ردود فعل الدول العربية، خصوصًا تلك التى سوف تتأثر بخريطة إسرائيل الكبرى، التى تقول «الأوهام التوراتية» إنها تمتد من النيل إلى الفرات.

لو أن الأمر بيد إسرائيل فقط، لأقامت وطبقت خريطتها الكبرى منذ مئات أو آلاف السنين.

التجربة الإسرائيلية الحالية منذ زرعها عنوة فى الجسد العربى عام ١٩٤٨، وهى الدولة الوحيدة التى لم تضع حدودًا نهائية لها، بل إن حدودها تتحدد حسب المدى الذى تصل إليه صواريخها ودباباتها ومدافعها. وبالتالى لو وجدت إسرائيل التربة والبيئة مهيأة لتحقيق الخريطة الكبرى، فسوف تنفذها فورًا، خصوصًا أن اليمين الحاكم فى تل أبيب لا توجد أى حدود لتطرفه وانفلاته من كل قيد أو قانون أو عرف أو أخلاق.

لم يكن أحد يتوقع مثلًا أن تدمر إسرائيل كل غزة، أو تستمر فى احتلال جنوب لبنان أو تساهم فى إسقاط بشار الأسد، أو تهاجم إيران ومنشآتها النووية والصاروخية والعلمية، لكنها فعلت ذلك منذ 7 أكتوبر 2023، لأنها لم تجد من يتصدى لها ويوقفها عند حدها.

لكن ومن الناحية الأخرى، فلو أن العرب ــ خصوصا الذين سوف يتأثرون فى حالة تطبيق هذه الخريطة النورانية اتحدوا واستخدموا كل أوراق الضغط المتاحة لديهم خصوصًا مع الولايات المتحدة فسوف تتوقف تصريحات نتنياهو عند حدود الأحلام والتمنيات كما توقفت كل الأحلام القديمة.

مرة أخرى إسرائيل لا تمانع فى السيطرة على كل العالم، وليس فقط على منطقتنا، لكن كل شىء يتوقف على مدى قدرة العرب على بلورة الحد الأدنى من التنسيق، خصوصًا أن التهديدات هذه المرة لا تقف فقط عند فلسطين، بل تتعداها إلى العديد من الدول العربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved