الرقمنة وتحدياتها
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 19 سبتمبر 2020 - 9:41 م
بتوقيت القاهرة
في السنوات القليلة الماضية أصبح مصطلح الرقمنة (digitization) يستخدم في جميع بلدان العالم المتقدمة منها والنامية على حد سواء لأن الدول المتقدمة تعتمد في كل تكنولوجياتها على الرقمنة والدول النامية لا تريد أن تتأخر عن الركب. هذا يأخذنا لنقطة مهمة وهي تعريف الرقمنة. الرقمنة ليست تكنولوجيا ولكنها وسيلة نحو استخدام أنواع كثيرمن التكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي. الرقمنة ببساطة هي تحويل جميع المعلومات والوثائق إلى صورة تستطيع أجهزة الكمبيوتر التعامل معها. هذا ليس بالشئ السهل لأنك تريد تحويل الوثائق والصور والأصوات ومقاطع الفيديو وأي شيء يمكن قياسه مثل درجة الحرارة وشدة الإشعاع وما شابه إلى صورة يستطيع الكمبيوتر التعامل معها وتخزينها وتحليلها. قلنا أن ذلك ليس سهلاً ولكنها مشكلة تقنية وأصبح بالإمكان التعامل معها وحلها. في هذا المقال نستعرض تحديات أخرى في طريق الرقمنة.
أولاً هناك تحديات تشريعية وقانونية. في المستقبل القريب ستكون أغلب المستندات في صورة رقمية لا ورقية وسيكون هناك إمضاء إلكتروني بدلاً من الورقي فهل نحن جاهزون في قبول الوثائق الإلكترونية وإعتمادها بدلاً من الورقية؟
ثانياً عندما تتحول أغلب الوثائق والمعلومات إلى النظام الرقمي فسنحتاج حتماً إلى وسائط تخزينية عملاقة السعة. السعة التخزينية لوسائط التخزين في أجهزة الكمبيوتر تتضاعف تقريباً كل سنة وتقل تكلفتها. إذا فالتحدي هنا ليس صعباً ولكن يجب التأكد دائماً من وجود سعة تكفي كل ما نحتاج تخزينه لأن المعلومات التي نحتاج تخزينها تزداد كل يوم، كما يجب أن تكون هناك استرتيجية واضحة تجاه ما يجب تخزينه للأبد وما يمكن مسحه بعد مدة. أيضاً يجب متابعة تكنولوجيا وسائط التخزين والحصول على المتقدم منها لأنها تكون أكبر سعة وأكثر سرعة وأقل تعرضاً للتلف وهذا يأخذنا للنقطة التالية.
ثالثاً بالنسبة للمعلومات المهمة والتي نود الإحتفاظ بها لمدة طويلة يجب أن نأخذ عدة إحتياطات. يجب أن تكون هناك عدة نسخ من تلك المعلومات وتخزن على أجهزة مختلفة حتى إذا تلف جهاز منهم لم نفقد المعلومات وهذه هي الاستراتيجية التي تنتهجها أغلب المؤسسات والشركات الكبيرة مثل فيسبوك وتويتر. الصعوبة هنا هي في وجود استراتيجية تحدد عدد النسخ حسب أهمية المعلومات والتحدي الأصعب هو أنه إذا تم تحديث المعلومات يجب أن يتم ذلك في كل النسخ وتقريباً في وقت واحد.
رابعاً بالنسبة للمعلومات عظيمة الأهمية يجب حمايتها من الإختراق والسرقة وأنا هنا أفلاق بينهما، فالإختراق قد يمكن العدو من إحداث تغييرات في المعلومات الرقمية والتي قد تؤذي الشركة أوالدولة المخترَقة. أما السرقة فهي الحصول على نسخة من المعلومات دون أن تنتبه الدولة أو الشركة. الحفاظ على سرية المعلومات يجب أن يتم ببرمجيات متقدمة جداً لأن الإختراق أو السرقة يتم عبرالإنترنت. قد يقول قائل إذا فلنخزن المعلومات المهمة في أجهزة غير متصلة بالإنترنت. هذه سيقود إلى مشكلة أكبر: كيف سيتم تحديث تلك المعلومات؟ وحيث أن هذه المعلومات مهمة فإنه حسب النقطة الثالثة أعلاه ستكون هناك عدة نسخ فكيف سيتم تحديث تلك النسخ في وقت واحد؟ طبعاً هناك حلول لكل ذلك مثل وجود شبكة محلية لعمل هذا التحديث غير متصلة بالعالم الخارجي إلا بضوابط معينة.
خامساً مجرد تخزين المعلومات الرقمية لا يعطي فائدة كبيرة، الفائدة تأتي من تحليل تلك المعلومات واستخدامها في التخطيط والتنفيذ. تحليل مجموعات ضخمة من المعلومات في وقت قصير يحتاج أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة وبرمجيات ذكاء اصطناعي متقدمة وقد تحدثنا عن تلك النقطة في مقالات عدة سابقة.
وأخيراً مجرد الرقمنة لا يكفي بل يجب معالجة تلك المعلومات قبل تحليلها والاستفادة منها. المعالجة هنا تشبه معالجة المياه قبل استخدامها في الشرب فكما أن شرب المياه قبل معالجتها يؤدي إلى المرض فإن استخدام المعلومات قبل معالجتها يؤدي إلى قرارات خاطئة بل وكوارث في بعض الأحيان. قبل استخدام المعلومات في اتخاذ قرارات أو التخطيط يجب مثلاً مقارنة المعلومات ببعضها إذا جاءت من عدة مصادر والتأكد أنه لا يوجد تناقض. معالجة المعلومات ثم تحليها هو جزء من علوم المعلومات (Data Sciences) وهو تخصص بدأ يظهر كقسم منفصل عن أقسام علوم الحاسب وأقسام هندسة الحاسبات في جامعات عالمية كثيرة.
الرقمنة خطوة مهمة جداً ولابد منها يقوم بها العالم كله الآن لكن يجب أن نضع تلك التحديات التي تحدثنا عنها اليوم وحلولها نصب عيننا.