إنقاذ عملية الانتقال السياسى فى ليبيا مازال ممكنًا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 19 ديسمبر 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب أحمد عليبة، تناول فيه بعض العوامل التى تؤكد أن سيناريو احتواء التوتر فى ليبيا مازال واردا، ذاكرا بعض الحلول لاحتوائها... نعرض منه ما يلى:

مشهد محاصرة ميليشيات صلاح بادى وعبدالباسط مروان وآخرين لمقر المجلس الرئاسى الليبى، والتهديد بمحاصرة السلطة التنفيذية وعدم إجراء الانتخابات؛ هو انتهازية متوقعه فى لحظة رخوة أمنيا وحرجة سياسيا، تضع الفاعلين فى المشهد الليبى أمام اختبار حقيقى فى الفصل الأخير لعملية الانتقال السياسى، بل يمكن القول إنه اختبار مصيرى وفاصل ما بين تفادى مأزق التكرار فى عمليات الانتقال السياسى أو العبور منها إلى مرحلة الاستقرار الشامل. وبينما تبدو السيناريوهات مفتوحة حيال هذا المشهد، وفى مقدمتها انتكاس خريطة الطريق؛ إلا أن سيناريو الاحتواء لا يزال ممكنا، لكنه يتطلب معالجات رشيدة من جانب الفاعلين فى هذا المشهد تُنهى حالة الارتباك العام فى إدارة الملفات السياسية والأمنية وبخطى متسارعة لعدم خروج الأمور عن السيطرة.
•••
إن عملية تشخيص المشهد الحالى تعكس قصورا واضحا فى الاستفادة من دروس الخبرة التى تراكمت على مدى عقد كامل فى ملف الأزمة الليبية، فقد توقفت ذهنية الفاعلين فى إدارة الملف عند مشهد معركة طرابلس (2019ــ2020) والسعى إلى عدم تكراره، دون الوضع فى الاعتبار احتمالات تجدد سيناريو الفوضى من مداخل أخرى مختلفة، وفى المقدمة منها الإخفاق فى تقويض ظاهرة الميليشيات والفصائل المسلحة، بالإضافة للتباطؤ فى معالجة ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب كجماعات مصالح ووكلاء لقوى خارجية ترى أن نجاح خريطة الطريق قد يأتى بسلطة تتعارض مع مصالحها وتوجهاتها. وفى هذا السياق يجب التطرق إلى ثلاث نقاط رئيسية هى:
أولا: أن هناك سياقا سياسيا مختلفا تماما عن السياق الذى جرت فى ظله معركة طرابلس، فقد أصبحت هناك مصالح لأطراف الصراع المسلح فى الانتقال إلى عملية الاستقرار السياسى، واللجوء إلى الحوار الأمنى والسياسى عبر آلية اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) على الرغم من التباطؤ فى إنجاز الملفات التى تتولاها بسبب الإرث الصعب الذى تراكم عبر عقد من الفوضى، لكن هناك مؤشرات عديدة كاشفة عن وجود إرادة سياسية للعبور من هذه المرحلة المظلمة، ودلالة ذلك التقارب الذى حدث أخيرا بين رئاستى أركان القيادة العامة ونظيراتها التابعة للرئاسى، وما نجم عن هذا اللقاء من مخرجات مبشرة فى المقدمة منها عملية توحيد المؤسسة العسكرية، وبالتبعية فإن تلك الخطوة ستنعكس بالسلب على مصالح الميليشيات التى لن تجد لنفسها موقعا ودورا فى المستقبل إذا ما تمت عملية التوحيد.
ثانيا: إن ترجيح سيناريو الفوضى فى أعقاب إجراء الانتخابات الليبية، كسيناريو متوقع نتيجة المخاوف من عدم الاعتراف بتلك النتائج من جانب الأطراف، هى مسئولية تضامنية بين البعثة الأممية والفاعلين من الداخل والخارج. وفى واقع الأمر كان هناك ارتباك فى هذه النقطة الجوهرية بسبب السياسات التى اتبعتها البعثة فى المرحلة السابقة؛ إلا أن عودة «ستيفانى وليامز» مهندسة خريطة الطريق على رأس البعثة جددت التفاؤل بشأن إصلاح الخلل، وإخراج المشهد بصورة مقبولة. ومن اللافت للنظر أن ميليشيات مصراتة تحركت بالتوازى مع عقد «وليامز» لقاءات فى مدينة مصراتة، وهى نقطة انطلاق جيدة تؤكد على فهمها أين يكمن الخلل المتمثل فى الميليشيات، وتأمين عملية تأجيل الانتخابات لفترة من الزمن، وهو ما التقطته الميليشيات وتحركت كرد فعل سريع ومباشر على تلك الخطوة، عزز من ذلك تحرك متزامن لميليشيات موالية لعبدالباسط مروان آمر منطقة طرابلس الذى أقاله المجلس الرئاسى فى اليوم نفسه.
ثالثا: إن عملية تأجيل الانتخابات هى سلاح ذو حدين، تنطوى على فرصة وقيد فى الوقت ذاته، فقد تمثل فرصة لإعادة ترتيب المشهد وإصلاح الخلل، لا سيما الإصلاح القانونى الذى اعترض الإجراءات التى تقوم بها المفوضية، والتى طلبت بنفسها تعديلا قانونيا محدودا، ربما يتعلق بالجانب القضائى الخاص بالطعون لتأمين مستقبل العملية الانتخابية والنتائج على وجه التحديد، لكن ــفى الوقت ذاتهــ هناك قيود متعددة قد تهدر هذه الفرصة، ومنها الارتباك فى المسئول عن تحديد السقف الزمنى لعملية التأجيل، حيث أكدت المفوضية من جانبها أن البرلمان هو المسئول، بينما أعاد المستشار الإعلامى لرئيس البرلمان بالكرة مرة أخرى إلى المفوضية فى هذا الشأن، ثم ظهر طرف ثالث ليقول إن المسئولية هى مسئولية ملتقى الحوار السياسى، وهذه النقطة الإشكالية تجر المشهد إلى إشكاليات متتالية، تتعلق بضوابط التأجيل التى يجب أن تكون واضحة الملامح.
•••
إن العوامل المشار إليها سلفا تكشف عن أن سيناريو احتواء التوتر فى طرابلس لا يزال واردا وممكنا، وأن نقطة البداية تتطلب المعالجة السياسية أولا، وتحديدا الإصلاح التشريعى الذى قد يُطيح بأحد المرشحين البارزين المحتملين فى الانتخابات الرئاسية، والذى سيقوض بدوره موقع مليشيات مصراتة، مع الوضع فى الاعتبار الروابط السياسية ذات الصلة بهذه المليشيات، حيث يتماهى موقفها ومصالحها فى الأخير مع عرقلة الانتخابات تماما بدلا من تأجيلها لبعض الوقت. ويمكن الإشارة فى هذا الصدد إلى موقف قيادة مجلس الدولة، وهنا يبرز الحديث عن استدعاء سيف العقوبات الدولية، وإمكانية اتخاذ إجراء فى هذا الصدد، لا سيما أن «بادى» بالفعل معاقب دوليا، وهو ما يؤكد مرة ثانية على أن هناك اختبارا أيضا للأدوات التى يمكن الاستعانة بها فى احتواء مشهد التوتر ومنعه من التحول إلى مشهد للفوضى.
كذلك فإن انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، الخميس 16 ديسمبر الحالى، قد يمثل فرصة أيضا للتعامل مع هذا المشهد، خاصة أنه كان هناك اقتراح بنقل السلطة التنفيذية إلى سرت لإبعادها عن مسرح الفوضى الذى يمكن أن تتحرك فيه المليشيات، وربما تكون هناك فرصة لذلك الآن، مع الوضع فى الاعتبار فى الوقت ذاته ضرورة التحرك من جانب لجنة البعثة الأممية التى تشارك فى الاجتماع لإنذار القوى الخارجية التى تدعم تلك المليشيات وعدم الاقتصار على القوى المحلية المحركة لمشهد الفوضى، وهو ما يتطلب أيضا تحركا عاجلا من المجموعة الفاعلة فى إطار مؤتمر برلين، ودعم ذلك عبر مجلس الأمن أيضا.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved