الولايات المتحدة وفرنسا تتريثان رئاسيا فى لبنان.. ولباريس ثوابتها السورية

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 19 ديسمبر 2024 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا لبشارى غانم البون، تناول فيه نظرة فرنسا إلى مستجدات الوضع فى كل من لبنان وسوريا، وكيف ستتحرك فى اتجاه هذين البلدين والتى تربطها بهما علاقات قديمة وتاريخية وتعتبر أن لها فيهما مصالح عميقة ومتعددة... نعرض من المقال ما يلى:
واكبت الأوساط الدبلوماسية الفرنسية المعنية بالملفين اللبنانى والسورى مستجدات الأحداث المتسارعة فى كل من لبنان وسوريا باهتمام كبير وبشعور مزدوج من «الارتياح المشوب بالحذر»، داعية إلى متابعة تطور الأوضاع فيهما بكثير من «العناية والدقة» لمعرفة لما ستئول إليه المتغيرات داخليا وخارجيا.
• • •
تصدّر الملف السورى فى الأيام الأخيرة أولويات الدبلوماسية الفرنسية التى لم تخفِ ذهولها من عنصر المفاجأة فى سرعة التحولات على الصعيدين العسكرى والسياسى والتى أدت إلى انهيار النظام السورى ورئيسه بشار الأسد. وهى رأت فيه بارقة أمل وصفحة جديدة مفتوحة. وأشارت الأوساط المعنية والمتابعة إلى أن ما يهم باريس هو وجود مسار شفاف لانتقال سياسى سلمى للسلطة على أن يتم بشكل سلس ومنظم وشامل.
تختصر مرتكزات الموقف الفرنسى بخمس لاءات وخمس نَعَم: لا للتجزئة، لا لعدم الاستقرار، لا للتفرد فى السلطة، لا مكان للتطرف بكل أشكاله، لا لعودة الإرهاب بشتى تهديداته الخارجية. نعم لحماية العزل المدنيين، نعم لصيانة الحقوق الأساسية للشعب السورى، نعم للحفاظ على الأقليات (الإثنية والدينية والعرقية والسياسية)، نعم لوحدة البلد وسيادته وسلامة أراضيه، نعم للمحافظة على مؤسسات الدولة.
ولا تخفى هذه الأوساط أن الإدارة الفرنسية، مع ارتياحها الظاهر وترحيبها المعلن بسقوط «نظام الأسد القاتل والمجرم»، ينتابها شعور عميق بالقلق الشديد المشوب بالحذر واليقظة. وهى تدعو إلى «مراقبة دقيقة» لكل خطوة جديدة تقدم عليها السلطة الجديدة التى تقودها «هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع (الجولانى سابقا)، وبالتالى ربط أى موقف مستقبلى منها أن لجهة الاعتراف السياسى والدبلوماسى أو لجهة تقديم الدعم والمساعدة فى عملية إعادة الإعمار أو لجهة رفع العقوبات بتنفيذ التزاماتها واحترام مندرجات القرار الأممى 2254.
قرّرت باريس التحرك فى ثلاثة اتجاهات: ثنائى (فرنسى – سورى)، وعلى صعيد جماعى أوروبى (دول الاتحاد) وغربى (مجموعة الدول السبع)، وعلى صعيد إقليمى مع دول جوار سوريا. على الصعيد الأول، عزّزت فرنسا تواصلها مع المعارضة السورية (الدكتور بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض السورية) وممثلين عن المجتمع المدنى. كما أقدمت وزارة الخارجية على خطوة متقدمة تمثلت فى إرسال وفد يضم أربعة دبلوماسيين فرنسيين إلى دمشق للاطلاع عن كثب وعلى الأرض على مجريات الأمور وإجراء الاتصالات اللازمة والنظر فى كيفية تعزيز الدعم الإنسانى إضافة إلى تقديم المساهمة فى عملية الانتقال السلسة للسلطة. والملفت للانتباه أن هذه الخطوة هى الأولى بعد قطيعة دبلوماسية تعود إلى عام 2012. والجدير ذكره أنه تم رفع العلم الفرنسى يوم الثلاثاء الماضى على مبنى السفارة الفرنسية فى قلب دمشق.
أما على الصعيد الأوروبى فإن باريس تجهد فى أن تتعامل دول الاتحاد مع المستجدات السورية من خلال تصور موحد ومشترك يعطى قوة دفع وثقلاً فعليا لأى تحرك حيال النظام الجديد فى دمشق. وعلى خط موازٍ، يجرى التنسيق مع دول الجوار للإحاطة بالوضع السورى من مختلف جوانبه.
تنطلق باريس فى تحركاتها المتعددة لمعالجة ما تسمى «مرحلة ما بعد بشار» من خلال ثلاثة هواجس: وقوع سوريا فى حرب اقتتال داخلى جديدة وانتشار الفوضى وتفكك البلد؛ حصول سيناريو مشابه لما جرى فى ليبيا وأفغانستان وتحكم المتطرفين فى الداخل وتسربهم إلى الخارج؛ تفاقم أزمة هجرة اللاجئات واللاجئين السوريين وتدفقهم فى اتجاه أوروبا. لذلك فإن هذه الأوساط تعتبر أن هذه المرحلة دقيقة وصعبة وخطرة.
• • •
بالرغم من أن الحدث السورى تقدم فى سلم أولويات المتابعة الدبلوماسية الفرنسية وسرق الأضواء الإعلامية، إلا أن الوضع اللبنانى حافظ على حضوره. وفى وقت شهد الموضوع الرئاسى السياسى حراكا داخليا لبنانيا فإن الموضوع الجنوبى الأمنى له الأولوية عند الدول الخارجية المعنية.
الدولتان المعنيتان بالوضع اللبنانى، أى فرنسا والولايات المتحدة، مهتمتان بتفعيل آلية مراقبة التفاهم اللبنانى – الإسرائيلى حول وقف الأعمال العدائية والعمل على احترامه من الجانبين، وهما تعتبران أن هناك ضرورة ملحة لتقيد الجانبين بالتزاماتهما والحئول دون أى انتكاسة أمنية قد تحمل تفاعلات ومخاطر على الاستقرار اللبنانى الهش. ويبدو أن باريس وواشنطن تسعيان إلى تثبيت الوضع الأمنى جنوبا وتنفيذ القرار 1701، والواضح أن هذا الأمر يتقدم على الموضوع الرئاسى.
صحيح أن واشنطن وباريس سبق أن دعتا إلى الإسراع فى ملء الفراغ الرئاسى إلا أنهما تنصحان اليوم بعدم التسرع؛ ويعود هذا التطور إلى عاملين؛ الأول داخلى لبنانى بحيث وصلت إلى العاصمتين الفرنسية والأمريكية أصداء من بيروت عن محاولة عدد من الجهات «سلق» الطبخة الرئاسية لأجل حسابات شخصية ومصلحية فئوية. الثانى خارجى، عبر الدعوة إلى التأنى وانتظار اتضاح الصورة الإقليمية لكى يُصار إلى انتخاب الشخصية الملائمة لمواكبة المرحلة السياسية الجديدة.
بالنسبة إلى بورصة الأسماء المرشحة للاستحقاق الرئاسى، تتفادى هذه الأوساط الدخول فى بازار التسميات، وتكشف أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية سبق وأبلغ باريس بشأن استعداده للانسحاب من المعركة الرئاسية وطرح اسم النائب اللبنانى فريد هيكل الخازن، والملفت للانتباه فى الأمر هو التوقيت. فقد وصلت رسالة فرنجية قبيل أيام كثيرة من سقوط النظام فى سوريا. ولم تعلق الجهات المعنية على هذا الأمر فى وقت شهدت فيه العاصمة الفرنسية تدفق عدد من الشخصيات السياسية اللبنانية وحركة اتصالات بادر إلى القيام بها عدد من المرشحين الرئاسيين وشملت مسئولين فرنسيين وأمريكيين!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved