حفريات مصر

محمود عبد المنعم القيسونى
محمود عبد المنعم القيسونى

آخر تحديث: الخميس 19 ديسمبر 2024 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

ماذا يحدث عند اكتشاف حفرية فى دولة خارج مصر وحفرية داخل مصر؟ خارج مصر على سبيل المثال، تم خلال شهر أغسطس فى عام 2008 اكتشاف ديناصور بحرى رهيب طوله خمسة عشر مترا، فكه له القدرة على قطم سيارة إلى نصفين دون مبالغة، وعمره مائة وخمسون مليون سنة، وذلك على إحدى الجزر التابعة لأيسلندا ونشرت أخباره على شبكات الإنترنت وانكب العلماء على دراسته وتجميعه وتركيبه ليعرض بكل فخر فى متحفهم للتاريخ الطبيعى، مع طبع الكتب الفاخرة عن هذا الكشف العلمى الهام، ويتوافد اليوم عليه العلماء والمهتمون بالآلاف للدراسة وللثقافة مما حقق دخلا قوميا إضافيا لدولة أيسلندا.
• • •
أما هنا فى مصر فتم اكتشاف ثانى أكبر ديناصورات العالم، ارتفاعه ثمانية وعشرون مترا ووزنه ثمانون طنا أوائل القرن الحالى عن طريق بعثة علماء من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك شمال واحة البحرية بمنطقه الحارة، ونظرا لقصر موسم التنقيب فقد تم رفع ربع هيكله العظمى الضخم بعد تغليفه بحذر شديد ووضعه داخل صناديق ونقله إلى الولايات المتحدة لترميمه بجامعة ميتشجان، تفعيلا للاتفاقية الموقعة بين الجانب المصرى والجانب الأمريكى.
قامت الدنيا وهاجت واتهموا العلماء بتهريب الديناصور المصرى وهو بالطبع ما لم يحدث، وفى الجامعات الأمريكية تم دراسة هذا الجزء من الهيكل وتصويره وطبع كتب فاخرة، خاصة عن تاريخه مع ترميمه بتكلفه عالية جدا، ثم إعادته لمصر أوائل عام 2004 حيث تم حجز صناديقه بجمارك مطار القاهرة الدولى من نفس العام، حتى يقوم المتحف الجيولوجى على أول الكورنيش المتجه للمعادى بتسديد جماركه وهى علامة استفهام قائمة حتى اليوم، وبقى هذا الحال حوالى عام خلاله تم نقل الصناديق من مكان لآخر عدة مرات حتى استغثتُ بالمرحوم الكاتب الصحفى، سعيد سنبل، والذى كتب عدة مقالات عن هذا الوضع غير المنطقى، وتم الإفراج فى النهاية عن عظام الديناصور بعد تسديد الجمارك ونقله لما يسمى بالمتحف الجيولوجى، وبلهفة فتح العلماء المصريون الصناديق ليكتشفوا تحطم معظم العظام بسبب عمليات نقل الصناديق داخل قرية البضائع بمطار القاهرة من مكان لمكان لمكان طوال عام. وانتهت هذه المأساة بوضع العظام المهشمة فى صناديق زجاجية داخل ما يسمى بالمتحف للعرض وهى مفككة .
• • •
فى الموسم التالى حضرت البعثة الأمريكية لاستكمال التنقيب وإخراج باقى هيكل الديناصور العملاق ليكتشفوا أن موقع الاكتشاف العلمى المدوى تم تسليمه بأسلوب عشوائى لمشروع استصلاح أراضٍ زراعية، وتم تجريف وتقليب وتمشيط الأرض وتحطيم كامل الحفريات لتختفى معالمه ونفقد كشفا علميا عظيما. ثبت بعد ذلك عدم صلاحية الأرض للزراعة فتم سحب كامل المعدات ونقلها لموقع آخر وقد قامت الفضائية المصرية بتصوير هذا الموقع عام 2006 وبثه. تلا ذلك عام 2007 اكتشاف هيكل حوت نادر عملاق طوله سبعة عشر مترا وعمره سبعة وثلاثون مليون سنة وهو الهيكل الوحيد الكامل المتكامل فى العالم أجمع، وذلك داخل محمية وادى الحيتان الدولية بالفيوم، وجرت مفاوضات بين الجانب الأمريكى - مكتشف الحوت - والجانب المصرى - المسئول عن المحمية - لنقل الهيكل إلى جامعة ميتشجان لعمل الترميمات اللازمة والدراسات العلمية ثم إعادته لمصر.
استغرقت المفاوضات عامين وتم فعلاً نقل الهيكل للجامعة بالولايات المتحدة الأمريكية وخلال فترة وجوده هناك تم إنتاج فيلم ثلاثى الأبعاد عن هذا الحوت وكيف عاش وكيف تحول من كائن برى يزحف على الأرض إلى كائن بحرى وعُرض الفيلم بأعظم متاحف الولايات المتحدة الأمريكية بمتحف السمثونيان بواشنطن على أكبر شاشة عرض فى العالم، كما تم عمل نموذج طبق الأصل من هيكل الحوت المصرى العملاق وذلك بمادة البوليستر وإهداؤه لمصر، مع إشارتى إلى أن هناك هيكل حوت واحد مماثل للحوت المصرى لكن أقصر فى الطول معروض بمتحف التاريخ الطبيعى بالولايات المتحدة الأمريكية، لكنه غير كامل وتم استكماله بهيكل بوليستر للعرض بالمتحف.
كما يجدر الإشارة إلى أن هذا الحوت المصرى العملاق كانت له ساقان فى حجم ساقى رجل بالغ يقعا على أجناب الربع الخلفى للحوت، وكانا غير مستعملين وهما ما أثبتا الحلقة المفقودة بين السحلية الملك والحوت البحرى، مع الإشارة إلى أنه تم خلال موسم التنقيب المفعل طوال شتاء 2009/2010 اكتشاف العديد من المواقع داخل محمية وادى الحيتان وحول واحة سيوة المدفون فيها هياكل حيتان من نفس الحقبة السحيقة، وهياكل قروش وسلاحف بحرية سيتم التعامل معها خلال السنين القادمة بإذن الله.
• • •
للأسف تم هدم المتحف الجيولوجى المصرى الجميل على شارع الشيخ ريحان أمام الجامعة الأمريكية والذى قام المهندس الذى بنى المتحف المصرى بميدان التحرير بتصميمه وبنائه ليضم كنوزا وحفريات نادرة ورائعة، تم هدمه بجرة قلم فى سابقة لم تحدث فى العالم أجمع وذلك لصالح محطة مترو الأنفاق ونقل كنوزه إلى المخازن ذات الحال المؤسف والمسماة بالمتحف الجيولوجى، ولم يتم بناء متحف بديل حتى اليوم (رغم تبعيته لوزارة البترول الغنية) ليضم الحفريات المكتشفة سنويا بصحارى مصر بواسطة البعثات الأجنبية وجامعة المنصورة والتى تحقق إنجازات سنوية يهتم بها العالم أجمع.. ونحن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved