التلاقى والتباعد بين السيسى وترامب
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الإثنين 20 فبراير 2017 - 12:05 ص
بتوقيت القاهرة
ذكرت الصحف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف يلتقى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى واشنطن خلال شهر مارس المقبل. وقد كررت الصحف المصرية الإشارة إلى الاتصالات الودية بين الرئيسين، ولاشك أن هناك قدرا كبيرا من الصحة فى ذلك، وربما يعزز من صلات الود بينهما اشتراكهما فى عديد من السمات الشخصية، فما هى؟. وهل تكفى هذه الاتصالات الودية والسمات المشتركة ليحصل الرئيس السيسى على ما يريد من زيارة العاصمة الأمريكية؟ وما هو دور الصلات الشخصية بين قادة الدول فى تقريب المواقف بينهم؟ هذا هو موضوع هذا المقال.
الصفات الشخصية المشتركة
يشترك الرئيسان فى رؤية كل منهما لدوره، وتقييم كل منهما للمؤسسات السياسية فى بلاده وفى النظر إلى المؤسسات المستقلة والصحافة والرأى العام عموما. كل منهما يعتبر أنه جاء إلى سلطة الحكم محملا بإرث ثقيل تركه له من سبقوه إلى المنصب السياسى الأرفع فى بلده. الرئيس السيسى يقول إنه ورث «شبه دولة» أو «دولة فقيرة» ولذلك فمهته صعبة، عليه أن يقيل هذه الدولة من عثرتها، وأن ينهض بشعبه الفقير. ويعتبر الرئيس دونالد ترامب أن نخبة واشنطن قد اغتصبت السلطة من الشعب الأمريكى، ولذلك فهو سيعيدها إليه، وسوف يمحو آثار كل من سبقه، بما فى ذلك برنامج الرعاية الصحية، والضوابط على عمل المؤسسات المالية، والسماح بوجود ملايين من المهاجرين ممن ليس لهم مركز قانونى، وحلف الأطلنطى الذى لم يعد مناسبا للعصر، والاتفاق النووى مع إيران.
وعلى الرغم من هذه «التركة الصعبة» التى ورثها الرئيسان، فلكل منهما برنامج طموح للغاية. الرئيس عبدالفتاح السيسى يحلم بل وبدأ ببناء عاصمة جديدة لبلاده، وقام بتوسيع شق من قناة السويس، ودعا إلى استصلاح مليون ونصف المليون فدان جديدة، وشبكة هائلة من الطرق، فضلا عن أربع محطات نووية. ويتطلع إلى أن تسبق القوات المسلحة المصرية كل جيوش المنطقة فيما تملك من أسلحة. والرئيس ترامب يريد بناء سور يفصل بلاده عن المكسيك، تقول الصحف الأمريكية إنه قد يتكلف على الأقل واحدا وعشرين مليار دولار، وسوف يخفض الضرائب، ويتيح فى نفس الوقت ملايين من فرص العمل الجديدة من خلال مشروعات هائلة للبنية الأساسية، كما سيعيد النظر فى التزامات الولايات المتحدة الخارجية بحيث يلغى أو يعيد النظر فى اتفاقيات التجارة التى صدقت عليها الولايات المتحدة مع دول أمريكا الشمالية ودول المحيط الهادى.
لكن لا أحد يعرف على وجه التأكيد من أين جاءت أفكار كل من الرئيسين، فهى أفكار لم تخرج عن أى مؤسسة بحثية معروفة، ولم تخضع لنقاش جاد قبل وصول أى منهما إلى سدة الحكم. ربما تكون فى حالة الرئيس الأمريكى أفكاره الشخصية، أو ما خرج به من مناقشات مع ابنته وزوجها اللذين يعتمد عليهما فى استشاراته داخل البيت الأبيض. وربما خرجت أفكار الرئيس السيسى من أحاديث مع ضباط القوات المسلحة، وخصوصا الهيئة الهندسية لهذه القوات. ولكن يختلف الرئيسان فى أن الرئيس الأمريكى يضطر إلى التخلى عن بعض أفكاره أمام تحفظ بعض من اختارهم لمساعدته بتولى المناصب الكبرى فى الإدارة الأمريكية، أو عندما تثبت صعوبة تطبيق بعض هذه الأفكار، مثل التخلص بعد دخوله إلى البيت الأبيض من كل المهاجرين الذين لا يملكون وثائق قانونية، ولكن قلما يتراجع الرئيس السيسى عن أى من أفكاره حتى لو ظهرت أمامها صعوبات شديدة. العمل فى العاصمة الجديدة مستمر رغم انسحاب كل الأطراف الأجنبية التى دعيت للاستثمار فيها سواء كانت من دولة الإمارات أو من الصين، وعلى الرغم من العجز الهائل فى ميزانية الحكومة الذى اضطره إلى إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى يدفع المواطنون ثمنا غاليا له سواء كانوا من الفقراء أو الطبقة المتوسطة أو حتى من كبار رجال الأعمال، لما نتج عنه من انخفاض فى مستوى معيشتهم أو ركود اقتصادى شامل.
يضيق كل من الرئيسين بالمؤسسات المستقلة فى بلاده وخصوصا القضاء والصحافة. تعرض الرئيس ترامب لحرج شديد عندما أبطل قضاة اتحاديون أمره التنفيذى بوقف دخول مواطنين من سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة رغم أنهم قد يكونون حاصلين على تأشيرات دخول صحيحة، ومنع الهجرة من سوريا إلى بلاده، ووصف الرئيس ترامب أحد هؤلاء القضاة بأنه غير مؤهل. ووضع مجلس الدولة فى مصر الرئيس السيسى فى موقف صعب برفضه صحة توقيع رئيس الوزراء المصرى على اتفاق لترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية كان يقضى بتسليم مصر جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية. وكان الرئيس السيسى قد أكد فى خطاب له أن وثائق الحكومة المصرية تؤكد على سعودية الجزيرتين. وكرر الرئيس ترامب هجومه على الصحافة الأمريكية والدولية، وخصوصا BBC وcnn. أما الرئيس السيسى فقد عبر عن تمنيه أن تدعم الصحافة «الاصطفاف الوطنى» وأن يساند الإعلام الحكومة مثلما كان يفعل على عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
أخيرا يدعو كل منهما المواطنين إلى أن يصدقوه هو وألا يستمعوا إلى أجهزة الإعلام. دعا الرئيس السيسى المواطنين إلى أن يسألوه هو إذا كانت الأمور غير واضحة لهم، وقال الرئيس ترامب فى مؤتمره الصحفى الذى عقد على عجل مساء الخميس الماضى إن الصحافة لا تنقل بأمانة الوضع داخل البيت الأبيض أو فيما يتعلق بلقاء مستشاره السابق للأمن القومى مع السفير الروسى قبل دخول ترامب للبيت الأبيض، قائلا للصحفيين «أنا الذى أعرف».
***
سيحصل الرئيس السيسى بكل تأكيد عن بعض ما يريد من هذه الزيارة المرتقبة لواشنطن. سيعلن الرئيس ترامب مساندته للحكومة المصرية فى حربها ضد الإرهاب، ولن يفتح ملف حقوق الإنسان فى مصر. فالرئيس ترامب يضع مكافحة الإرهاب ضمن أولوياته ولا يلقى بالا لمسائل حقوق الإنسان. ولكن من المستبعد أن يعلن الرئيس الأمريكى تصنيف الإخوان المسلمين باعتبارهم من الإرهابيين، رغم أنه شخصيا يرى كل الإسلاميين إرهابيين دون تمييز بين من يخوض مجال العمل السياسى ومن يرفع السلاح فى مواجهة حكومته وكل من يختلفون معه فى الرأى أو العقيدة.
كما ستجدد الولايات المتحدة عزمها على مواصلة دعم القوات المسلحة المصرية بالسلاح لتمكينها من مكافحة الجماعات الإرهابية، ولكن سيخوض المسئولون العسكريون المصريون مناقشات مطولة مع وزارة الدفاع الأمريكية للتأكيد على أن القوات المسلحة المصرية تحتاج أيضا الدبابات والطائرات الحربية وليس فقط الأسلحة الخفيفة وأدوات الاتصال التى تعينها فى الحرب ضد الإرهاب وذلك ردا على الحجج التى قال بها أنصار خفض المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، كما ستعلن الإدارة الأمريكية تأييد ما تسميه برنامج الإصلاح الاقتصادى لمصر، ولكن ربما دونما أى وعد بالمعونة الاقتصادية.
قد حمل الفلسطينيون الرئيس السيسى مهمة شرح موقفهم من حل الدولتين عندما يلتقى الرئيس الأمريكى. وبعد استماع ترامب لما سيقوله الرئيس المصرى فى هذا الصدد، فربما يرد عليه بأنه لا يستبعد حل الدولتين أو أى حل آخر يتفق عليه الإسرائيليون والفلسطينيون، وهو نفس ما قاله بعد لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبوع الماضى.
لكن ستكون القضية الصعبة المحتملة فى محادثات الرئيسين هى محاولة ترامب إقناع الرئيس السيسى بضرورة انضمام مصر لحلف إقليمى تدعو له الولايات المتحدة وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال. ومن المقترح أن يشمل هذا الحلف السعودية والإمارات والأردن وتركيا، ويكون مقره القاهرة، وهدفه الرئيسى مقاومة النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط، ويتعاون مع إسرائيل. مصير هذه الفكرة غير واضح، وليس من المؤكد أن تنضم إليه تركيا التى يريد رئيسها أن تبقى أيديها مفتوحة تجاه كل الأطراف فى الشرق الأوسط بما فى ذلك إيران. وقد ذكر الرئيس ترامب فكرة الإطار الإقليمى لحل المشكلة الفلسطينية عقب لقائه بنتنياهو. لا مصلحة لمصر فى الواقع فى الانضمام إلى مثل هذا التحالف، وقد كان موقف مصر الثابت طوال عهود منذ العصر الملكى هو عدم الانضمام لأحلاف عسكرية ترعاها القوى الكبرى. كما أن الأفضل للمصالح المصرية ودورها الإقليمى ألا تنجر إلى ما يروج له البعض عن مواجهة سنية ــ شيعية فى المنطقة. يجب أن تبقى أبواب مصر مفتوحة أمام كل الدول العربية والإسلامية فى الشرق الأوسط بلا استثناء. أتمنى أن يعيد الرئيس السيسى على الرئيس الأمريكى تأكيده لالتزام مصر بحل الدولتين وببقاء القدس عاصمة مقترحة لدولة فلسطينية ورفض أن تكون مقرا لسفارة أمريكية خلافا لمواقف دولية ثابتة تعتبر القدس العربية أرضا محتلة.
***
هكذا فعلى الرغم من السمات الشخصية المشتركة فالذى يحكم العلاقات المصرية الأمريكية هو تباين المصالح بين الدولتين وتباين ما تملكه كل منهما من موارد والقيود المؤسسية على عمل الرئيس الأمريكى مهما كانت رغبته فى التحرر من هذه القيود.