الاعتراف بالدولة الفلسطينية

بشير عبد الفتاح
بشير عبد الفتاح

آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2024 - 6:45 م بتوقيت القاهرة

فى العاشر من مايو الحالى، كللت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مسيرة النضال الوطنى للفلسطينيين، بمنحهم انتصارا سياسيا جديدا. فبأغلبية 143 صوتا من إجمالى 193، مررت مشروع القرار الإماراتى ،الذى يقضى بأهلية فلسطين لنيل عضوية الأمم المتحدة، بموجب المادة الرابعة من ميثاقها؛ كما يوصى مجلس الأمن الدولى بإعادة النظر فى القضية، بشكل إيجابى. وبعدها بأسبوع، طالبته القمة العربية الثالثة والثلاثين بالبحرين، بإصدار قرار، تحت الفصل السابع، لإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، والمتواصلة جغرافيا، على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية؛ مع إنهاء أية تمركزات للاحتلال الإسرائيلى فى ربوعها.
رغم عدم قدرة الجمعية العامة، منفردة، على تحويل فلسطين من وضع المراقب منذ2012، إلى عضو كامل، سيمنحها القرار الأممى بعض الحقوق الإضافية، اعتبارا من الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة، التى ستلتئم فى سبتمبر المقبل. إذ سيعطيها مقعدا كسائر الأعضاء، من دون الحق فى التصويت، أو الترشح لعضوية غير دائمة بمجلس الأمن. كما يخولها تقديم مقترحات وتعديلات، دون اللجوء لدولة ثالثة. ونظرا لما يتمتع به من قوة قانونية، معنوية وسياسية، سيجعل القرار دولة فلسطين كيانا معترفا به دوليا، يحق له العمل، ضمن القانون الدولى، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لأراضيه، بالمفاوضات. وإذا ما تم تسوية جميع المسائل الخلافية، فسيتم إبرام معاهدة سلام شاملة بين الدولتين، بضمانة الأمم المتحدة. وحالة تعنت إسرائيل، تستطيع فلسطين مقاضاتها لدى محكمة العدل الدولية، والتقدم بشكوى رسمية إلى محكمة الجنايات الدولية، بعد نيل عضويتها، لملاحقة مجرمى الحرب الإسرائيليين.
يعزز الاعتراف بفلسطين حق شعبها فى تقرير مصيره، بحرية تامة، واختيار نظامه السياسى، الاقتصادى، الاجتماعى والثقافى. وتثبيت شخصيته القانونية عن طريق مؤسساته الشرعية والدستورية؛ وفقما نصت عليه مبادئ القانون الدولى وميثاق الامم المتحدة. كما يرسخ الالتزام الفلسطينى بمبادئ الحق، العدل، والعمل على تعميق علاقات الشعب الفلسطينى الدولية، حسب قواعد القانون الدولى. وسيشجع الاعتراف بدولة فلسطينية المجتمع الدولى على قبول مشروعية القضية الفلسطينية فى سياق احتلال إسرائيلى عسكرى طال أمده، واعتبار احتلال إسرائيل  أراض فلسطينية، أو ضم بعضها، قضية قانونية. ومن ثم، يمكن حسم قضايا الوضع النهائى، من خلال آليات التحكيم الدولى، ولو بعد حين.
من جهة أخرى، يواجه الاعتراف الدولى بفلسطين تحديات عديدة، أبرزها: عدم اكتراث إسرائيل بالأمم المتحدة ،التى يعتبرها قادتها، منذ ديفيد بن جوريون، «فارغة ،تافهة ومقفرة، ولا قيمة لكل ما يصدر عنها». وذلك استنادا إلى أيديولوجية سياسية توراتية، تتبنى شعار «فليفعل العالم ما يفعل، ولكن المهم ما يفعله اليهود».
تظهر أحدث استطلاعات الرأى، معارضة معظم الإسرائيليين الاعتراف بدولة فلسطينية فى الوقت الراهن، مخافة أن يعزز ادعاءات حماس بأن تلك الدولة ما كانت لتبصر النور، لولا كفاحها المسلح. وترفض النخب الإسرائيلية فكرة الدولة الفلسطينية، لأنها لا تريد التعامل مع فلسطين ككيان مستقل، وإنما كأراض محتلة، تخضع لهيمنتها. كما أن الاعتراف سوف يلزم اسرائيل بإنهاء احتلالها لدولة وليس لأراض محتلة. وتعى إسرائيل أن التعامل مع الفلسطينيين كشعب، محتلة أراضيه، أفضل من التعاطى معه ككيان سياسى مستقل. ولذلك تعمل، بغير كلل، لإحباط مشروع إقامة الدولة الفلسطينية، التى ستحرجها قانونيا وأخلاقيا. وفى سبيل ذلك، تهدد إسرائيل بحجب مدفوعاتها الشهرية للسلطة الفلسطينية، قطع جميع الروابط معها، التنصل من اتفاقيات أوسلو لعام 1993؛ والتى تزعم واشنطن وتل أبيب أنها تحظر إعلان الدولة الفلسطينية عبر خطوات أحادية، بمنأى عن المفاوضات مع إسرائيل.
وهو زعم مرفوض قلبا وقالبا، حيث تنص المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، على أنه إذا تعارضت التزامات الأعضاء بموجب أحكام ذلك الميثاق، مع أى التزام دولى آخر، فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على الميثاق. كذلك، يناقض رفض إسرائيل الاعتراف بفلسطين قبولها والتزامها بقرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947، بتقسيم فلسطين إلى دولتين. ذلك أن إنكار إسرائيل لهذا القرار، الذى هو بمثابة شهادة ميلاد دولتها، يجعلها خارج إطاره. مما يقتضى إعادة النظر فى اعتراف المجتمع الدولى بالدولة العبرية، كما عضويتها فى الأمم المتحدة.
منذ اعتلائه السلطة عام 1996، لم يتوان نتنياهو عن تقويض أية إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية. فبينما أبقى على جمود قضايا الوضع النهائى، عزز سيطرة إسرائيل على الأرض، الجو، البحر، القدس، الخليل، وجميع الأماكن الدينية اليهودية. حيث تسيطر إسرائيل على 95% من القدس الشرقية، التى يفترض أن تكون عاصمة فلسطين، وتجتاح المستوطنات أراضى الضفة والقدس؛ ولا يوجد اقتصاد أو مؤسسات فلسطينية يمكن الاعتماد عليها.
فالرقعة الجغرافية غير واضحة المعالم، ممزقة وغير متصلة، ليس فقط بين جناحى الدولة المزمعة فى الضفة وغزة، بل فى كانتونات الضفة والقدس. ولا يفتأ الاحتلال يتجاهل فلسطينيى الشتات،الذين يشكلون غالبية الشعب الفلسطينى. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، هناك ما يقرب من مليون مستوطن يهودى، إلى جانب ثلاثة ملايين فلسطينى داخل الأراضى المحتلة، بما يكفى لمنع قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة. وبالتالى، سيكون هناك مجموعتان سكانيتان داخل رقعة جغرافية واحدة، تحكم كل منها منظومة قانونية مختلفة، إن لم تكن متناقضة. الأمر الذى يخل بمبدأ سيادة السلطة المركزية الفلسطينية، التى ستجد نفسها غير قادرة على إنفاذ أية قوانين داخل مناطق المستوطنين الصهاينة، الذين سيشكلون تحديا لهيبتها وسلطتها. ومع ارتفاع النمو السكانى بين المستوطنين مقارنة بالفلسطينيين، لن يتسنى قيام دولة فلسطينية دون إجبار الحكومة الإسرائيلية على تفكيك المستوطنات، ونقل أولئك المستوطنين داخل حدود ما قبل عام 1967.
بعبارات حاسمة، كشف رأى المحكمة الدولية الدائمة للعدل، فى عهد عصبة الأمم، عن النظرية الكاشفة للاعتراف بالدول؛ سواء تم صراحة أو ضمنا. فلقد تبنت المحكمة، صراحة، هذه النظرية فى نصوص حكم محكمة التحكيم المختلطة بين ألمانيا وبولندا أول أغسطس 1929. وبموجبها، يكون الاعتراف بالدول، وفقا للنظرية الكاشفة، محض شهادة ميلاد، أو وثيقة تعميد دبلوماسية. كون الاعتراف لا يمنح الدولة استقرارها، بقدر ما يقرر وجودها الواقعى فقط. وبناءً عليه، قد يضفى الاعتراف الدولى بفلسطين، شرعية سياسية أو قانونية على كيان غير مكتمل المعالم على الأرض. بل مقطع الأوصال وغير متواصل جغرافيا. متنازع سياسيا وإداريا بين فتح وحماس، وغير قادر على ممارسة مهامه، كونه يرزح فى أغلال الاحتلال. والقول إنه سيناضل سياسيا للحصول على الاستقلال؛ مردود عليه بأن إسرائيل لن تسمح له بذلك، مهما كانت الضغوط. ذلك أن إقامة الدولة الفلسطينية، سيوسع الإطار القانونى للتعامل مع الشأن الفلسطينى، ليشمل مقاضاة إسرائيل أمام الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والمختصة بالمساءلة عن جرائم الحرب.
تأبى الأيديولوجية الصهيونية إلا أن تكون الدولة الفلسطينية المقترحة، وهمية، غير قابلة للحياة، منزوعة السلاح ولا تمتلك المقومات الاساسية للبقاء. لذا، لن تتأتى تلك الدولة المنشودة على أرض الواقع، من دون إرادة دولية، تجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضى، التى من المفترض أن تقام عليها تلك الدولة، والتى لا تتجاوز 22 % من مجموع أراضى فلسطين الانتدابية. كذلك، لن يتسنى للفلسطينيين تحقيق حلم إقامة الدولة المستقلة، ذات السيادة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية؛ قبل إنهاء صدعهم السياسى المفجع، وتوحيد مسارات النضال الوطنى، على هذا الأساس. ثم تكثيف جهودهم لإعادة ملف قضيتهم إلى الأمم المتحدة والشرعية الدولية، لتبقى قضية تحرر وطنى عادلة، من ربقة استعمار إحلالى استيطانى غاشم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved