السياحة البحرية.. خواطر ما بعد العاصفة
أيمن النحراوى
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 يونيو 2023 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
منذ عدة أيام أعلنت وزارة السياحة أن مصر قد استقبلت أكبر عدد من السائحين فى شهر واحد فى تاريخها فى أبريل الماضى بعدد 1.35 مليون سائح، كما أن إجمالى من استقبلتهم مصر فى الشهور الخمسة الأولى من هذا العام بلغ 7 ملايين سائح، وكل المؤشرات أشارت إلى احتمال الوصول لعدد 15 مليون سائح بنهاية هذا العام، لم يكن ذلك وحسب بل تم اختيار مدن مصرية مثل القاهرة وشرم الشيخ والغردقة من عديد من المنظمات والمواقع السياحية ضمن أفضل الوجهات السياحية العالمية هذا العام.
لكن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن، وجاء حادث الغردقة كعاصفة مباغتة لهذه التطورات الإيجابية فى مؤشرات ونتائج السياحة، والمؤسف فى الأمر أن الحادث قد ذاع وانتشر بصورة مبالغ فيها على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، وللأسف كان معظم من قام بذلك هم مصريون افتقدوا الوعى والانتباه لخطورة ما يقومون به على السياحة فى بلدهم، أما مشهد ضرب سمكة القرش فقد أثار استياء وحفيظة وسخرية الكثيرين.
أسماك القرش موجودة فى كل بحار ومحيطات العالم، ومن بين أكثر من 360 فصيلة من أسماك القرش أنواع قليلة فقط منها تعد ذات خطورة مباشرة على الإنسان وهى القرش الأبيض الكبير وقرش الثور وقرش النمر وقرش الماكو وقرش الزعنفة البيضاء.
توقيت الحادث يشير إلى أحد الأسباب المحتملة، وهو أننا على مسافة أيام قليلة من موسم الحج، حيث تبحر سفن الماشية تحمل مئات الآلاف من الأغنام والأبقار فى رحلاتها فى البحر الأحمر، وعادة ما يسارع بحارتها للتخلص من الحيوانات النافقة بإلقائها من السفينة إلى البحر، وبالطبع تسارع أسماك القرش للتغذى عليها، كما أن منها من يحملها التيار قريبة من الشواطئ والقرى السياحية.
أيضا إقدام بعض اللنشات السياحية على إلقاء مخلفات الطعام أو تقديم الأسماك والطعوم عمدا لاجتذاب أسماك معينة أو كائنات إلى منطقة الغوص من أجل أن يحظى السائحون بتجربة مثيرة للسباحة معها، دون إدراك منهم أن ذلك على المدى الطويل يغير من نظامها الغذائى ويجتذبها أكثر فأكثر إلى أماكن وجود السباحين والغواصين، مما يزيد احتمالات وقوع الحوادث.
هناك اعتبار آخر مهم عن السلسلة الغذائية لهذه الكائنات البحرية، وتتعلق بعمليات صيد الأسماك، وهل وصلت إلى مرحلة متغولة من جانب سفن الصيد فى جميع دول البحر الأحمر، بحيث حدث اختلال شديد فى كم وكيف ونوع الكائنات فى السلسلة الغذائية، فأدت إلى انخفاض كميات الأسماك التى تتغذى عليها أسماك القرش.
أيضا ما أشارت إليه التقارير من أن سمكة القرش المهاجمة كانت أنثى تحمل أجنتها، وعندئذ يمكن أن نستنتج أنها قد قدمت لوضع مواليدها فى تلك المنطقة الضحلة، فقامت بالسباحة قريبا من الشاطئ لتأمين المنطقة والتأكد من سلامتها قبل وضع المواليد، وفى ذلك التوقيت تكون فى حالة تخوف وتوتر شديدين، ويبدو أنها أثناء ذلك فوجئت بوجود السائح فاستشعرت الخطر وبدأت فى شن هجومها المميت.
• • •
هذا يقودنا إلى استنتاج خطير أنه ربما تكون تلك المنطقة من الساحل ملاذا وموطنا لتوالد هذا النوع من الأسماك، وفى هذه الحالة سيتعين تحديد توقيتات ومواسم ذلك الحدث، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر خلالها، والقيام بالدوريات والمراقبة اللازمة، ولو اقتضى الأمر يتم استخدام السونار، مع وضع شباك مانعة حامية على مسافة مناسبة من الشاطئ لحماية السباحين.
هناك مسألة أخرى يجدر البحث والتحقيق فى شأنها، وهو ما تردد أن بعض شهود العيان ممن كانوا على متن بعض اللنشات السياحية فى المنطقة قد شاهدوا سمكة القرش القاتلة تقترب من الشاطئ قبل يوم من وقوع الحادث، ولو كان ذلك قد حدث بالفعل، فلماذا تقاعس هؤلاء بجهل وإهمال عن إبلاغ الجهات المعنية بمكان وتوقيت وجودها؟، بحيث كان من الممكن أن يصدر إنذار مشدد بالخطر، وأن تقوم السلطات بمنع الأنشطة البحرية فى ذلك المكان أو على الأقل تأمينه.
حادث الغردقة، كان الحادث الوحيد فى مصر هذا العام، فى مقابله العام الماضى أشار المرصد الدولى لهجمات القرش بجامعة فلوريدا إلى حدوث 137 هجوما العام الماضى معظمها فى أستراليا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والمكسيك والبرازيل ونيوزيلندا، إذن فحادث الغردقة يعد استثنائيا، مقارنة بدول ومناطق تعد فيها هجمات أسماك القرش شبه اعتيادية.
وأسوأ ما فى هذا الموضوع أن مثل تلك الحوادث والتى تحدث فى كل سواحل وشواطئ العالم يجرى الإعلام عنها عادة فى نطاق محلى، إلا أنه فيما يتعلق بمصر تلاحظ حدوث مبالغة شديدة فى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى المحلى والعربى والشرق أوسطى، وكأن هذه الفصيلة من الأسماك لا توجد إلا فى مصر، وهذه الحوادث لا تحدث إلا فى مصر.
بلادنا حباها الله بـ 2700 كم من السواحل الممتدة فى منطقة معتدلة وغنية بالحياة البحرية، وذلك يفرض علينا توعية العاملين فى السياحة البحرية، وأن يكون ذلك ضمن متطلبات إصدار ترخيص العمل للشخص، بحضور محاضرات واجتياز اختبارات حقيقة جادة عن مدى الإلمام بالبيئة والكائنات البحرية والحوادث والسلامة والأمن وإدارة الأزمات.
كشف الحادث عن تقصير من جانب الكثيرين فى التروى والحذر فى نشر الأخبار والصور والفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعى وخطورتها وتداعياتها خاصة فى مثل تلك الأزمات، ولاسيما أن الآخرين من غير أصدقاء مصر ومنهم منافسون فى مجال السياحة قد استغلوا الحادث فى غير صالح مصر، وكأن ذلك لا يحدث إلا فى مصر.
الوعى العام بالتعامل مع الأزمات والحوادث المماثلة والإعلام عنها يجب أن يرتقى إلى مستويات أعلى مما نحن فيه بكثير.