ترامب وقرار التدخل العسكري.. حافة الهاوية والنتائج غير المقصودة

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الجمعة 20 يونيو 2025 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

تقترب أوضاع الشرق الأوسط من حافة هاوية بالغة الخطورة. فالتدخل العسكرى المحتمل للولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل فى حربها على إيران قد يزج بمنطقتنا إلى أتون مواجهة واسعة بين الأطراف الثلاثة علما بأن لواشنطن قواعد عسكرية كبيرة وجنودا وضباطا يقترب عددهم من أربعين ألفا، وتنخرط تل أبيب منذ أكتوبر 2023 فى حرب على غزة وحرب استنزاف فى لبنان وتتواصل عملياتها العسكرية فى سوريا واليمن، ولطهران وكلاء فى اليمن والعراق لهم شىء من القدرة على تهديد المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

مواجهة ثلاثية كهذه، على الرغم من الثقة التى يبدو عليها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حين يطالب إيران «بالاستسلام الشامل»، وغرور القوة الذى يتردد صداه فى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عن «سماء إيران» التى صارت تحت سيطرة جيش بلاده وفوارق القوة العسكرية والإمكانات الاستخباراتية التى تميل بشدة فى غير صالح الجمهورية الإسلامية، مواجهة كهذه لا يمكن أبدا التنبؤ لا بتفاصيلها، ولا تحولاتها، ولا ما قد تحدثه من دمار، ولا مداها الزمنى والجغرافى، ولا تداعياتها السياسية، ولا الأخطاء فى الحسابات والأفعال التى يمكن أن ترتب طيفا كارثيا من المخاطر والنتائج غير المقصودة.

فيما خص الولايات المتحدة الأمريكية، فإن دونالد ترامب (ومعه دائرة ضيقة من الخلصاء كجاريد كوشنر، زوج ابنته إيفانكا) يملك قرار التدخل العسكرى فى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية من عدمه.

فعلى الرغم من شىء من الانقسام فى الحزب الجمهورى الذى تعالت به أصوات مؤيدة وأخرى معارضة وبعض الحديث عن تباينات فى التقدير داخل المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، إلا أن الرئيس ترامب يحظى بولاء النافذين فى حزبه وقيادات إدارته والذين حتما ستنضوى أغلبيتهم، إن ثقة فيه أو خوفا من غضبه، تحت مظلة دعم قراره وتبريره بغض النظر عن فحواه. كذلك، ولأن الرئيس لا يحتاج دستوريا إلى موافقة الكونجرس على شن ضربات جوية وصاروخية على إيران لكون موافقة السلطة التشريعية ليست ضرورية سوى عند إرسال قوات عسكرية إلى خارج الأراضى الأمريكية ولكون الولايات المتحدة قد اعتادت خلال العقود الماضية (منذ 2001) على اتخاذ الرؤساء المتعاقبين لقرارات توجيه ضربات عسكرية هنا وهناك دون الرجوع إلى السلطة التشريعية (ولم يختلف هنا الرؤساء الديمقراطيون عن نظرائهم الجمهوريين)، فإن ترامب يستطيع أن يتجاهل صخب المؤيدين والمعارضين داخل الكونجرس برمته. والأرجح أيضا، وعلى الرغم من أن حالة الاستقطاب الحاد فى الرأى العام الأمريكى بشأن الرئيس وسياساته الداخلية والخارجية (شهدت مظاهرات «لا ملوك» المعارضة لمواقف وقرارات ترامب فى 14 يونيو 2025 مشاركة شعبية واسعة) ستمتد إلى التدخل العسكرى فى الحرب الإسرائيلية -الإيرانية، أن الرجل لن يتأثر بالأمر كثيرا لأنه ببساطه لا يعنيه سوى أنصاره المباشرين والمنظمين فى حركة «ماجا» (الحروف الأولى من كلمات عبارة إنجليزية مفرداتها هى «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا») وقاعدته الانتخابية التى تمثل نصف الشعب الأمريكى، والأنصار المعروفون (وباستثناءات محدودة كستيفن بانون وتاكر كارلسون) معه والناخبون يصطفون وراءه.

الشاهد، إذا، أن البيئة السياسية الداخلية فى الولايات المتحدة بمكوناتها المختلفة (الإدارة والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية والكونجرس والحزب الجمهورى وأنصار الرئيس وقاعدته الانتخابية والمعارضة) تعطى دونالد ترامب حرية اتخاذ قرار التدخل العسكرى فى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية من عدمه. وبحسابات اللحظة الراهنة (أكتب هذه الأسطر مساء 18 يونيو 2025)، يبدو الرئيس الأمريكى أقرب إلى التدخل بهدف معلن هو تدمير البرنامج النووى الإيرانى وفى سياق تنسيق كامل مع حكومة بنيامين نتنياهو فى إسرائيل التى لها أيضا أهداف أخرى.

• • •

هنا تحديدا يتضح الطيف الأساسى من المخاطر والنتائج غير المقصودة التى قد تكون إدارة ترامب معه بسبب إصرار حليفها الإسرائيلى على عدم الاكتفاء بتدمير البرنامج النووى وتجاوز ذلك إلى تدمير القدرات الصاروخية لإيران وزعزعة تماسك نظام الجمهورية الإسلامية على نحو قد يرتب خلخلته ثم انهياره.

فالرغبة المجنونة لليمين المتطرف فى إسرائيل باتجاه تغيير نظام الحكم فى إيران ستفتح بوابات جهنم العنف الأهلى وعدم الاستقرار طويل المدى فى بلد له كثافة سكانية مرتفعة وجغرافيا واسعة ومهمة، وستعنى أيضا حالة من انعدام الأمن الإقليمى أيضا طويل المدى. يدرك العقلاء فى وزارات الخارجية والدفاع وفى المؤسسات العسكرية والاستخباراتية وفى مجلس الأمن القومى هذه المخاطر، ولا يريدونها بعد تجارب تغيير النظم الكارثية فى العراق وليبيا.

• • •

كما أن تدمير القدرات الصاروخية لإيران ومن ثم نزع شرعية «الدولة القوية» عن الجمهورية الإسلامية، وبعد أن تعرض وكلاؤها فى الشرق الأوسط لضربات إسرائيلية عنيفة منذ 7 أكتوبر 2023، قد يدفع المرشد الأعلى خامنئى والنخب النافذة إلى الرد غير المنضبط وغير المحسوب وتنفيذ خطوات تصعيدية كضرب مناطق مدنية فى إسرائيل ومهاجمة الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة وإغلاق مضيق هرمز وتهديد المصالح الإسرائيلية والأمريكية فى العالم (للجمهورية الإسلامية ماض تورطت به فى عمليات فى أوروبا وأمريكا اللاتينية وساحات أخرى). بل إن وكلاء إيران كحزب الله اللبنانى على الرغم من وطأة الدمار الذى أنزلته به إسرائيل وجماعة الحوثى فى اليمن التى تقلصت قدراتها العسكرية بعد الضربات الأمريكية المتتالية والميليشيات العراقية التى ألزمتها حكومة محمد الشياع السودانى بعدم التورط فى الحرب الدائرة وحال تعرض راعيها المتمثل فى الجمهورية الإسلامية لتهديدات وجودية تترتب على تدمير البرنامج النووى والصواريخ وخلخلة نظام الحكم، يصعب تصور بقائها التام خارج معادلات الصراع وامتناعها عن توظيف «ما تبقى لديها» من صواريخ ومسيرات لتهديد الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط (والوكلاء قريبون للغاية من بعض مواقعه) ومهاجمة إسرائيل وهو ما قد يسفر عن امتداد نطاق الحرب الدائرة.

هنا أيضا يدرك العقلاء داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب أن خليطا من رد إيرانى غير منضبط ضد وجود الولايات المتحدة ومصالحها فى الشرق الأوسط وضد إسرائيل ومن تورط الوكلاء لن يعنى سوى تدخل عسكرى أمريكى فى الحرب يتجاوز حدود إرسال طائرات ب-2 والقنابل التى تفوق زنتها 30 ألف طن إلى عمليات عسكرية فى الجو والبحر وعلى الأرض أوسع من ذلك بكثير وذات أخطار كبرى.

مجرد احتمالية هذا التدخل العسكرى الواسع والخطير تتناقض بوضوح مع ما يعد به ترامب فى سياسته الخارجية القائمة على عدم استنزاف موارد وقدرات أمريكا بعيدا عن أراضيها، وتنتقص كذلك من شرعية خطاب «الولايات المتحدة أولا» لكون التدخل العسكرى الأمريكى فى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية سيخدم فى المقام الأول مصالح تل أبيب فى الشرق الأوسط وليس مصالح واشنطن ولا مصالح حلفائها الآخرين من العرب والأتراك الذين يعارضون الحرب ويبحثون فى الحلول التفاوضية وترتيبات الأمن الجماعى ويرفضون مشروع الهيمنة الإسرائيلية فى منطقة ضاقت شعوبها ذرعا بالدماء والدمار مثلما ضاقت باستمرار الظلم التاريخى الذى يمثله الاحتلال الإسرائيلى لأراضى الشعب الفلسطينى وكل ما يترتب عليه من عنف واستيطان وتهجير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved