التونسيات والسياسة
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 20 يوليه 2019 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه:
اقتحام المجال السياسى وإثبات حقّهن فى الترشّح وقيادة الحملات وخوض تجربة التفاعل مع الجماهير والردّ على الخصوم الذين يعتبرون النساء وافدات على السياسة ولسن مؤهلات بعد، لخوض هذه التجارب. وقد مهّدت المشاركات فى المجلس التأسيسى الطريق أمام الأخريات فجعلتهن يطمحن فى أن يكنّ من «شهيرات التونسيات»: فاعلات داخل الأحزاب وذوات سلطة.
ولمّا كان الأمر كذلك بات تقليب النظر فى علاقة فئة من التونسيات بالسياسة مشروعا ما دام عدد الشغوفات باللعبة السياسية والراغبات فى السلطة قد تضاعف مقارنة بالحملة الانتخابية لسنة 2014. فما الجديد الطارئ على علاقة هذه الكوكبة من التونسيات بالسياسة خلال هذا «الموسم» الانتخابى الجديد؟
يستوقفنا أداء المشاركات فى «السباق الانتخابي» الحالى إذ إنّ الأساليب مختلفة عن السابق وتنحو منحى كسر القيود الصارمة وتغيير الصور النمطية. فمن غير المألوف أن تقود الواحدة حملتها الانتخابية، بالاعتماد على عناصر فلكلورية فتظهر فى صورة الفارس حينا، وفى صورة المؤدية للأغانى حينا آخر. ومن غير المتوقّع أيضا أن «يمسرح» الفعل السياسى وتتجلّى الاحتفالية على الركح السياسى (أغانى، رقص، أزياء متعدّدة...) فى زمن حرص فيه القوم على «التقاليد السياسية»، و«الأعراف».. وليس من المعتاد أن تهلّ الواحدة من موقع «الفاعلة الجمعاوية» لتفرض نفسها على عالم السياسة وسيلتها فى ذلك المال والعزوة والعدد. ولئن توسّلت كلّ واحدة بأساليب مختلفة فإنّ المشترك هو الرغبة فى امتلاك السلطة وتحقيق الزعامة على قدم المساواة مع بقية الخصوم.
هذه فئة تخطّط للزعامة وتحلم بالحكم وتعى ما تفعل وترغب فى التموقع فى سلّم القيادة ولذلك فإنّها لا تتوانى عن شنّ الهجوم، وعقد الإيلافات، والتخطيط للإيقاع بالخصوم.. فلا غرابة أن نعثر على الانتهازيات، والمتقلبات من حزب إلى آخر، من اليسار إلى اليمين، والمتورطات فى تصفية حساب من كانوا أصدقاء وخلّان، والمستميتات من أجل كسب المعارك والاستحواذ على السلطة. وتتجاور مع هذه الفئة فئات أخرى تخوض السباق باختيارها طمعا فى التدرّب على صناعة القرار واكتساب التجربة أو رغبة فى تحقيق بعض المصالح.
أمّا الفئة التى تُساق إلى المجالس البلدية أو مجلس الشعب سوقا، مكرّسة بذلك تبعية المرأة للرجل أخا أو زوجا.. فهى راضية بأن تتحوّل إلى وسيلة بيد شيخ ــ رئيس الحزب يستعملها عند الحاجة ويلغى وجودها بجرّة قلم. وهى إذ تقبل بذلك تثبت مدى قدرتها على دخلنة المعايير الذكورية التى تفرض قوامة الرجل فى السياسة. والنساء عندما ينتقدن أحيانا الاستبعاد من سباق الانتخابات باعتباره شكلا من أشكال العنف المسلّط على النساء والسطو على أحلامهنّ إنّما يتماثلنّ مع فئة من الرجال الذين قبلوا بالإقصاء من اللعبة خضوعا للتعليمات.
وسيّان أكانت هذه الفئة من النساء فاعلات ومتزّعمات للأحزاب، وقياديات يخطّطن للقيام بالمناورات أو مجرّد أرقام فى المعادلة السياسية مستلبات ومفعولا بهنّ فإنّ الوعى النسائى يبقى محدودا لأنّه لم ينبثق عن نضال التونسيات منذ الاستعمار، ولم يخرج عن المركزية الذكورية وأساليبها فى تحقيق الهيمنة. يبقى هذا الوعى مزّيفا لأّنه يظلّ وفيّا للنظام الجندريّ الذى يعتبر الرجل وحده ممثّل القيم المعيارية وهو صانع السياسة والمكلّف بالتدبير السياسى، وهو أيضا صاحب الامتيازات. أمّا المرأة فهى الآخر، الدخيل، والتابع، والوافد على عالم السياسة والتى لا يمكن أن تبتكر تصوّراتها وقيمها واستراتيجياتها إذ تظلّ متماهية مع الأنموذج الذكورى غير قادرة على القطع معه.
ولذا لا نتوقّع أن تنجح هذه النماذج النسائية الشغوفة بالسلطة فى إحداث التغيير المنشود فى عالم السياسة، وترك بصمة تدخلهن فى التاريخ.
وإلى أن ينتهى السباق الانتخابى علينا أن نفكّر فى طبيعة هذه البنية السياسوية المتمركزة حول الذات الذكورية، والتى نعتقد أنّه آن أوان تفكيكها ومساءلتها.