لا تتركوا عمالقة التكنولوجيا يخفون ما يفعلونه بنا
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 20 يوليه 2023 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة جوليا أنجوين، تناولت فيه الإصلاحات الطموحة التى سيمررها الاتحاد الأوروبى الشهر القادم لوضع قيود على قوة التكنولوجيا، ولمعالجة الأضرار التى تسببها منصاتها. ومع ذلك، أغفلت المنظمة الأوروبية النص على حق الصحفيين والباحثين ــ من الجنسين ــ فى الوصول إلى البيانات والمعلومات على هذه المنصات لمراقبة إنفاذ القانون، مع احترام الخصوصية فى ذات الوقت... نعرض من المقال ما يلى:
نحن نعيش عصر ثورة المعلومات. وقد استُبدل بحراس بوابات المعرفة التقليدية ــ من أمناء المكتبات والصحافيين والمسئولين الحكوميين ــ بدرجة كبيرة حراس البوابات التكنولوجية، ومحركات البحث، وروبوتات الذكاء الاصطناعى، ومغذيات وسائل التواصل الاجتماعى.
أيا كانت عيوبهم، فإن حراس البوابات القدامى، على الورق على الأقل، يدينون بالفضل لعامة الناس. وحراس البوابات الجدد ولاؤهم بالأساس لتحقيق الربح فقط وللمساهمين فى هذه الشركات. والآن، يوشك هذا الواقع على التغير، وذلك بفضل تجربة جريئة نفذها الاتحاد الأوروبى.
مع بدء سريان الأحكام الرئيسية فى 25 أغسطس، فإن حزمة طموحة من قواعد الاتحاد الأوروبى، وهى قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، هى أكثر الجهود شمولا تجاه التحقق من قوة التكنولوجيا الكبرى (بعد الحظر الصريح فى أماكن مثل الصين والهند). وللمرة الأولى، يتعين على منصات التكنولوجيا الاستجابة لعامة الناس بطرق لا تعد ولا تحصى، بما فى ذلك منح المستخدمين الحق فى الاستئناف عند إزالة المحتوى الخاص بهم، وتوفير خيار من الخوارزميات، وحظر الاستهداف الدقيق للأطفال والبالغين استنادا إلى بيانات حساسة مثل الدين، والعرق، والتوجه الجنسى. وتُلزم الإصلاحات أيضا منصات تكنولوجية كبيرة بمراجعة خوارزمياتها لتحديد كيفية تأثيرها على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والصحة البدنية والعقلية للأفراد القاصرين وغيرهم من المستخدمين.
سوف تكون هذه المرة الأولى التى يُطلب فيها من الشركات تحديد ومعالجة الأضرار التى تسببها منصاتهم. وللمساءلة، يتطلب القانون أيضا منصات تقنية كبيرة مثل «فيسبوك» و«تويتر» تزويد الباحثين بإمكانية الوصول إلى البيانات الآنية من منصاتهم. لكن هناك عنصرا حاسما لم يُقرره الاتحاد الأوروبى بعد، ألا وهو ما إذا كان الصحفيون ــ من الجنسين ــ سوف يتمكّنون من الوصول إلى أى من تلك البيانات.
كان الصحفيون عند الخطوط الأمامية لإنفاذ القانون. كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» وصحيفة «الأوبزرفر» اللندنية عن فضيحة شركة «كمبردج أناليتيكا»، التى علمنا فيها كيف استغل المستشارون فى حملة دونالد ترامب الرئاسية بيانات ملايين المستخدمين على موقع «فيسبوك» من دون إذنهم. وقد أوردت وكالة «باز فيد» الإخبارية تقريرا حول التعليقات المسيئة التى أوضحت دور «فيسبوك» فى تمكين مذبحة الروهينجا فى ميانمار.
لكن الحصول على البيانات من المنصات أصبح أكثر صعوبة. وكان موقع «فيسبوك» عدوانيا بشكل خاص، حيث أغلق حسابات الأشخاص الباحثين فى جامعة نيويورك عام 2021 بسبب «وسائل غير مرخصة» للوصول إلى إعلانات «فيسبوك». وفى ذلك العام، هددت «فيسبوك»، بشكل قانونى، مجموعة بحثية أوروبية تُدعى «ألغوريثم واتش» (المعنية بمراقبة الخوارزميات)، وأجبرتها على إغلاق مشروع مراقبة منصة «إنستجرام». وفى وقت سابق من الشهر الحالى، شرعت شركة «تويتر» فى الحد من قدرة جميع مستخدميها ومستخدماتها على مشاهدة التغريدات، فيما وصفته الشركة بأنه محاولة لمنع جمع المعلومات آليا من موقع «تويتر» بواسطة وسائل الذكاء الاصطناعى، فضلا عن الروبوتات، والمتراسلات الإلكترونية العشوائية، وغيرها من العناصر السيئة.
من جهة أخرى، أغلقت شركات التكنولوجيا أيضا الوصول المرخص إلى برامجها. وفى عام 2021، فككت «فيسبوك» الفريق الذى أشرف على أداة التحليلات المسماة «كراود تانجل»، التى استخدمها الكثير من الباحثين لتحليل الاتجاهات. وفى العام الحالى، استبدلت «تويتر» بأدوات الباحثين المجانية نسخة مدفوعة الأجر باهظة التكاليف ولا يمكن الاعتماد عليها. نتيجة لذلك، صار الرأى العام أقل وضوحا من أى وقت مضى حول كيفية تصرف حراس بوابات المعلومات العالمية لدينا.
طرح السيناتور الأميركى كريس كونز، الشهر الماضى، «قانون المساءلة والشفافية»، وهو تشريع من شأنه مطالبة شركات وسائل التواصل الاجتماعى بمشاركة المزيد من البيانات مع الباحثين، وتوفير حصانة للصحفيين الذين يجمعون البيانات للمصلحة العامة، مع حماية معقولة للخصوصية.
لكن فى الوقت الحالى، تعتمد جهود الاتحاد الأوروبى للشفافية على الأشخاص الأكاديميين الأوروبيين، الذين سوف يتقدمون بطلب إلى هيئة تنظيمية للحصول على البيانات من المنصات، ومن ثم، نأمل أن يصدروا تقارير بحثية بعد ذلك.
هذا ليس كافيا. ولكى تتحمل هذه المنصات المسئولية الحقيقية، يتعين علينا دعم الصحفيات والصحفيين الذين يقفون على الخطوط الأمامية فى سرد الكيفية التى يُسلّحُ بها الطغاة، والمتصيدون، والجواسيس والمسوقون، وحشود الكراهية المنصات التكنولوجية، أو السماح لهم باستخدامها.
تدير ماريا ريسا، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، موقع «رابلر»، وهو موقع إخبارى فى الفلبين كان فى طليعة القائمين على تحليل كيف استخدم القادة الفلبينيون وسائل التواصل الاجتماعى لنشر المعلومات المضللة.
كما تقول دافنى كيلر، مديرة برنامج تنظيم المنصات فى مركز السياسة الإلكترونية فى ستانفورد، فى تعليقاتها أمام الاتحاد الأوروبى، إن السماح للصحفيين والباحثين ــ من الجنسين ــ باستخدام أدوات آلية لجمع البيانات المتاحة للجمهور من المنصات من أفضل الطرق لضمان الشفافية، لأنه «شكل نادر من أشكال الشفافية التى لا تعتمد على المنصات نفسها التى تجرى دراستها لتوليد المعلومات أو العمل كحارس للبوابات المعلوماتية».
بطبيعة الحال، كثيرا ما تُقاوم منصات التكنولوجيا طلبات الشفافية بزعم أنها لا بد أن تحمى خصوصية مستخدميها. وهو زعم مُضحك، لأن نماذج أعمالهم تستند إلى التنقيب وتحويل البيانات الشخصية لمستخدميها إلى أموال. ولكن إذا ما وضعنا ذلك جانبا، فلن نجد ضلعا فى هذا السياق يتصل بمصالح الخصوصية للمستخدمين: فالبيانات التى يحتاج إليها الأشخاص الصحفيون علنية بالفعل لأى شخص لديه حساب على هذه الخدمات.
ما يفتقر إليه الصحفيون والصحفيات هو الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات العامة من منصات التكنولوجيا بُغية فهم ما إذا كان الحدث الواقع يمثل حالة شاذة، أو يمثل اتجاها أكبر. من دون ذلك المدخل، سوف نستمر فى الحصول على ما لدينا الآن: الكثير من الروايات حول هذا الجزء من المحتوى أو ذلك المستخدم الذى تم حظره، ولكن لا معنى حقيقيا حول ما إذا كانت هذه القصص ذات دلالة إحصائية من عدمه.
الصحفيون يكتبون أول مسودة للتاريخ. إذا لم نتمكن من رؤية ما يحدث على أكبر منصات الخطابة فى العالم، فإن هذا التاريخ سوف يُكتب لصالح المنصات وليس الجمهور.