أكراد العراق يصرون على إجراء استفتاء على استقلال كردستان فى ٢٥ سبتمبر الحالى. ويوم الإثنين الماضى رفض الزعيم الكردى مسعود برزانى كل المطالبات الدولية بتأجيل الاستفتاء، إلا بعد استعداد العراق للبدء بمحادثات جدية، بشأن استقلال كردستان وخلال فترة زمنية محددة وبضمانات دولية.
وفى المقابل فإن الحكومة المركزية فى بغداد ترفض الاستفتاء بإصرار، والقضاء العراقى أعلن أنه باطل، بل إن رئيس الوزراء العراقى طلب من الأجهزة المختصة اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على وحدة الأراضى العراقية، الأمر الذى فهمه البعض بأنه تمهيد لتدخل عسكرى.
رسميا أيضا فإن الدول الكبرى فى العالم وفى الإقليم رفضت الاستفتاء مثل بريطانيا وأمريكا وإيران وتركيا وسوريا. الدول الثلاث الأخيرة موقفها طبيعى ومنطقى، حتى لا يصبح الإجراء معديا وينتقل إلى مناطق الأكراد فى هذه البلدان، لكن موقف أمريكا وبريطانيا به بعض الالتباس، فى حين كان التأييد الوحيد للاستفتاء والاستقلال قادما من الكيان الصهيونى فى إسرائيل.
لا أعرف ماذا سيحدث فى الأيام القليلة المقبلة، لأن المشهد مفتوح بالفعل على كل الاحتمالات، وبعضها يقول إن الأكراد يستخدمون نتيجة الاستفتاء ــ المتوقع أن تكون «نعم كاسحة» ــ ورقة فى أيديهم للضغط على بغداد للحصول على مكاسب كبرى، مقابل عدم الذهاب إلى لحظة الاستقلال.
لكن أكثر ما أخشاه أن تتسبب المعالجة العربية الكردية لقضية الاستفتاء إلى تعقيد المشكلة وليس حلها، بل وزرع المزيد من المرارات والأحقاد بين الشعبين العربى والكردى.
أسهل حل يدغدغ مشاعر بعض الجماهير الهائجة هنا وهناك هو أن يلجأ الطرفان إلى أقصى حالات التطرف. الأكراد يصرون على الاستفتاء فورا، وبعدها يعلنون الاستقلال، وفى المقابل تلجأ بغداد إلى الحل العسكرى، وربما بمساعدة من تركيا وإيران، ثم تدخل المنطقة فى صراع جديد بالمنطقة سيكون الكاسب الأكبر فيه هو إسرائيل وكل أعداء العرب والمسلمين، والمريب أن تحرك برزانى يأتى بعد أيام قليلة من الانتصار على داعش وطردها من الموصل.
موقفى الواضح والمبدئى أننى مع العراق الموحد لكل أعراقه واديانه وطوائفه، وإذا فتحنا الباب لاستقلال كردستان اليوم، فسوف «تكر السبحة» وتنقسم كل دولة عربية إلى دويلات، خصوصا أن أسباب التشظى والانقسام والتفتت موجودة وصارت معلنة، والأخطر أن كثيرين ينفخون فيها، وأولهم إسرائيل وبعض القوى والدول الكبرى.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحفاظ على العراق الموحد يتطلب شرطا جوهريا وهو، أن يشعر الأكراد فيه بأن هويتهم وثقافتهم مصونة، وحقوقهم محترمة ومقدرة، ولهم نصيب عادل فى ثروة البلاد ولهم دور بارز فى مستقبلها، وليسوا مجرد عرق من الدرجة الثانية.
باختصار شديد، وقبل أن نلوم الأكراد على اندفاعهم نحو الاستفتاء الممهد للاستقلال،علينا أن نلوم القيادات الطائفية فى العراق خصوصا نوعية نورى المالكى، الذين سلموا العراق لإيران، بدلا من أن يحتووا الأكراد والسنة.
ارتمى المالكى وأمثاله فى أحضان إيران، وكرر ما فعله صدام حسين لكن بصورة معكوسة، بل وزايد عليه كثيرا، وكانت النتيجة أن داعش بكل تطرفها، استولت على أكثر من ثلث العراق بسبب إحساس قطاع كبير من أهل السنة أنه جرى تهميشهم. لم يطبق المالكى مواد الدستور وضيع العديد من الفرص لإقامة شراكة مع الأكراد، أو نظام فيدرالى أو حكم ذاتى حقيقى لهم، والنتيجة أننا وصلنا إلى هذه اللحظة الفارقة.
فى تقديرى أن الوقت لم يضع بالكامل وهناك فرصة قليلة، وتتلخص فى أن يعود العراق لوجهه العربى، وأن تؤمن الطائفة الشيعية خصوصا العقلاء فيها بأن فكرة الإقصاء فشلت أيام صدام وأيام المالكى وستفشل هذه الأيام وفى الأيام المقبلة. الحل ليس فقط إقناع الأكراد بأن مصلحتهم مع العراق الموحد، بل أيضا إقناع السنة بهذا الأمر، حتى لا تعود داعش من الشباك بعد أن تم طردها قبل أسابيع من باب الموصل وبعض المدن المحيطة لكن خطرها لم ينته بعد.
وأخيرا هل ما يزال أنصار أمريكا فى المنطقة يتذكرون ما قالوه لنا قبل الغزو الهمجى وخلاله فى مارس ٢٠٠٣، بأن العراق سوف يشهد أزهى عصور الديمقراطية، التى سوف تنتقل بصورة آلية إلى المنطقة؟!!!.