غواية الكرسى
خولة مطر
آخر تحديث:
الإثنين 20 سبتمبر 2021 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
يقول فى كل صباح أذكّر نفسى بأن دوام الحال من المحال وأن هذا المنصب والكرسى الفخم والترحيب والاستقبال فى كل مكان والولائم والهدايا والمديح كله زائل كزبد البحر.
***
مثله مثل كثيرين وكثيرات وجدوا أنفسهم فجأة من مواطنين عاديين جدا، حتى لو كانوا متفوقين فى أدائهم فى وظائفهم، إلى وزراء ومدراء ومسئولين كبار فى حكومات ودول ومنظمات محلية ودولية. فجأة يصبح هو أو هى موضع ترحيب واستقبالات حافلة ودعوات للعشاء والغداء وحفلات صاخبة ويبرزون فى صدر المجالس الكبيرة. وتكثر الهدايا الثمينة وفى البدء قد يرفض النزيه منهم مثل كل هذه المعاملة الخاصة أو الهدايا الفاخرة ولكن ومع الوقت «يستحلى» هذا المسئول كل هذه المعاملة الخاصة والرفاهية المستمرة التى لم يعتدها حتى لو حافظ على كثير من نزاهته/ نزاهتها أو إخلاصه لعمله والتزامه بعدم تقبل «الإكراميات» مقابل الخدمات!!!
***
تكتشف أن غواية الكرسى للكثيرين والكثيرات كبيرة جدا وأكبر من قدراتهم رغم أنهم يرددون كذاك الصديق أو تلك الصديقة حول أنهم لا يريدون اعتياد هذه الحياة لأنها زائله خاصة وأنهم يدركون أن فى كثير من دولنا ومنظماتنا استدامتها مرهونة بمزاج المدير ورئيس الحكومة أو الأمير أو الحاكم أو الأمين العام.. تسميات مختلفة وفى مجملها هى نفسها فى كل مكان رغم محاولة البعض أن يلمع صورة بعض التسميات على حساب تسميات أخرى!!!
***
للكرسى غواية حتما وإلا ما الذى حدث له أو لها بعد أقل من عامين من الجلوس على ذاك المنصب الذى كان من الواضح ومنذ البدء أنه أكبر بكثير من قدراته أو قدراتها. تبدأ غواية الكرسى من كثرة الطلبات للقاء وإعطاء الأولوية له أو لها فى أى مكان أو تجمع والجلوس فى الصفوف الأمامية فى الاحتفالات وصالات الاستقبال الخاصة فى المطارات أو حتى الطائرات الخاصة التى تقلهم من مدينة إلى أخرى ومن فندق خمس نجوم إلى آخر بسبع نجوم.. وموائد الطعام الممتدة وإلى المجاملات الممجوجة والمديح المبتذل بإنجازات ليست حقيقية أبدا والأخطر أن يصدق أحدهم بأنه أصبح بالفعل ذاك المسئول «العبقرى» الذى قام بإنجازات سيذكرها له التاريخ!!!
***
ربما هو مرض الكرسى أو هو داء منتشر فى بقاع الأرض كلها رغم أنه مستشرٍ بشكل كبير فى دولنا وعواصمنا ومنظماتنا عنه فى تلك الدول التى تعرف أن المنصب ليس «إلى الأبد إلى الأبد» والمعتاد هو تداول المناصب وتقييم الأداء بشكل علمى وليس «حسب المزاج والمصالح» وإمكانية فصل المسئولة/المسئول إذا فشل فى أداء دوره بما فى ذلك الوزير أو حتى الطلب منه أن يستقيل لمن يحترم نفسه وعمله فالاعتراف بالخطأ ليس جريمة بل هو يعلى من مركز الإنسان ويجعل احترامه أكثر فيما يبقى كثيرات وكثيرون مسئولون عن مصائب أدت إلى إفلاس حكومات ودول ومع ذلك يبقون ملتصقين بكراسيهم ومناصبهم وألقابهم وكأن فقدانها يعنى موتهم ونهايتهم.
***
كم هى درجة غواية الكرسى؟؟ سؤال إجابته سهلة جدا فبنظرة سريعة لمحيطات ومحيطين من أصغرهم إلى أكبرهم فى المنصب ومراقبة كيفية تطور التصاق هذا المسئول أو المسئولة بذاك الكرسى مهما كان صغيرا، أليست معظم المناصب صغيرة جدا إلا فى مسئوليات ذاك المسئول/المسئولة؟؟ وهى كبيرة فى أذهان ضعاف النفوس وهم كثر!!
***
كراسٍ تحكم وتتحكم فى مصير البعض أو الكثير من البشر، كراسٍ ومناصب يتصور البعض أنها تحول الفأر إلى أسد والجاهل إلى عالم والمدعى إلى خبير سياسى أو عسكرى أو مفكر.. أسماء وألقاب لها غواياتها المثيرة أحيانا للشفقه وكثيرا للقرف خاصة لدى من يتصورون أن الكراسى تصنع منهم آلهة مقدسة!!
***
وتجعلهم بشر من درجة ممتازة أو ما فوقها رغم أن التاريخ الحديث منه قبل القديم ملىء بالأمثلة عن هشاشة الكرسى أو المنصب وتحوله من حقيقة واقعة فى ليلة معتمة إلى اللاشىء أو العدم فى ساعات الصباح الأولى.
كاتبة بحرينية