رسالة غرام
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
من المفترض أن تحتفل الهيئات الثقافية المصرية هذا الأسبوع بذكرى رحيل الكاتب مصطفى لطفى المنفلوطى الذى كان من ألمع الأدباء فى بداية القرن العشرين، فهو صاحب أجمل أسلوب أدبى كما كان يرى القراء والمهتمون، فى كتاباته بلاغة وحسن بيان وتمكن ملحوظ من اللغة العربية، وقد ترك وراءه كتابات أدبية تم جمعها فى أكثر من كتاب تحت عنوان: «العبرات والنظرات»، إلا أن الشهرة الكبرى التى عرفت عن هذا الكاتب أنه نشر باسمه مجموعة من الروايات الفرنسية؛ حيث تصور البعض أن المنفلوطى هو المترجم، والحقيقة أنه كان البعض يأتون له بالنص المترجم ليقوم هو بإعادة كتابته بمفردات لغوية بديعة، وعلى مدى التاريخ كنا نتصور أن المنفلوطى هو المترجم، وقد ضاع اسم من ترجم هذه الروايات وبقى فقط اسم المنفلوطى، قد أقام عشاق المنفلوطى لهذا الكاتب صروحا من التمجيد والتفخيم وكادت الحقيقة أن تتوه بين التاريخ، ولا يزال الناشرون يهتمون بإعادة طباعة هذه الكتب بنفس الشغف الذى تتم بها إعادة طبع الروايات الإسلامية للكاتب جورجى زيدان، من هذه الروايات: فى «سبيل التاج»، «بول وفيرجينى» و«الشاعر»، ثم «ماجدولين» وقد أطلق المنفلوطى أسماء عربية لا علاقة لها بالنص الأصلى الفرنسى بمؤلفاته، أى أن رواية «الشاعر» اسمها فى الأصل «سيرانو دى برجراك»، أما رواية «ماجدولين» فهى تحمل اسم «تحت ظلال الزيزفون» التى وجدت طريقها إلى السينما المصرية مرتين، الأولى عام 1935 باسم «دموع الحب» إخراج محمد كريم وبطولة محمد عبد الوهاب مع نجات على وسليمان نجيب، أما المرة الثانية فهى بعنوان «رسالة غرام» عام 1954 إخراج هنرى بركات وبطولة فريد الأطرش ومريم فخر الدين وكمال الشناوى، وكما نلاحظ فإنها أفلام غنائية تعتمد على المطرب الذى يحترم مشاعر الآخرين ويقدس الصداقة، إلا أن صديقه المقرب هو الذى ينتزع منه حبيبته الوفية ويتزوجها وهو شخص مقامر، لا يعرف قيمة المشاعر الإنسانية ما يصدم العاشق، وقد ماتت الحبيبة المخدوعة من الرجل الذى تزوجته بعد أن ألصق كل الصفات السيئة بالرجل الذى تحبه، وقد أنهى محمد كريم فيلمه بعبد الوهاب واقفًا عند مقبرة حبيبته وهو يغنى «أيها الراقدون تحت التراب»، ما يعنى مدى الأجواء الحزينة التى فى الرواية أما بركات فقد أنهى الرواية بحفل زفاف يقيمه وحيد لابنة حبيبته التى ماتت منذ سنوات، وقام هو بتربيتها حتى صارت عروسا، لقد دفع الكثير من أبطال هذه الرواية حياة كل منهم ثمنًا لخطايا الأصدقاء، ومن المعروف أن النص الأدبى الذى كتبه ألفونس كار فى القرن التاسع عشر عبارة عن رسائل غرام بين ماجدولين وحبيبها، وهذا النوع من الأسلوب اشتهر به الشاعر الألمانى جوته صاحب رواية «آلام فرتر»، وهو أسلوب تناسب كثيرا مع ازدهار الرومانسية الأدبية فى أوروبا، هذه الرومانسية سادت الكتابات الأدبية فى مصر مع الربع الأول من القرن العشرين وهذا الأمر جعل المنفلوطى فى مقدمة أدباء عصره وكأنه قام بتتويج النثر وصبغه بالمحسنات البديعية.
كما نرى فإن المخرجين الذين تبنيا هذه الرواية فى السينما المصرية هما من أشهر صناع الفيلم الغنائى فى مصر، وعلى سبيل المثال فإن بركات قد اقتبس من هذا الزمن روايات أخرى قام ببطولتها فريد الأطرش مثل المسرحية الشعرية «تاسو» تأليف الألمانى جوته، وأيضا مسرحية «فانى» للكاتب الفرنسى مارسيل بانيول وهكذا فإن بركات صنع رومانسية ملأت نصف قرن بأكمله من الغناء فى أفلام قام ببطولتها فريد الطرش وعبد الحليم حافظ.