بَـعـد غزة

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الجمعة 20 أكتوبر 2023 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project syndicate مقالا للكاتب كارل بيلت، يوضح فيه أن سبب ما يشهده قطاع غزة الآن من تدمير وانتهاك لحقوق الإنسان هو نتاج التوسع غير القانونى للمستوطنات الإسرائيلية على أراضٍ من المفترض أن تكون للفلسطينيين مما ولد شعورا لدى الشباب الفلسطينى أن العنف هو الحل. كما حَمل الكاتب المجتمع الدولى مسئولية ما يجرى الآن، إذ انقسم الاتحاد الأوروبى وأمريكا حول حل القضية الفلسطينية حتى أصبحت فى طى النسيان. فى ضوء ما نشهده يوميا من جرائم حرب تُرتكب فى حق المدنيين الفلسطينيين، يؤكد كارل على أهمية احترام القانون الدولى، وخاصة القانون الإنسانى، حتى لا يضيع أى أمل فى الوصول لسلام حقيقى دائم... نعرض من المقال ما يلى.
بداية، يقول كاتب المقال إنه يتعين علينا أيضا أن نبحث فى الأسباب التى قادتنا إلى هذه النقطة، وما إذا كان أى مسار عملى نحو تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة لصالح الإسرائيليين والفلسطينيين لا يزال قائما. برغم أن هذه الحرب الأخيرة لا تزال فى أيامها الأولى، فإن واجبنا يُملى علينا التفكير فى مختلف السيناريوهات.
بعد تحقيق السلام بين إسرائيل واثنتين من جيرانها، مِصر أولا ثم الأردن، أصبح بوسع الجميع التحول نحو قضية الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلى منذ عام 1967. لتحقيق هذه الغاية، خلقت اتفاقيات أوسلو فى الفترة من 1993 إلى 1995 إمكانية حلول مستقبل حيث تتعايش دولة فلسطينية بسلام إلى جانب إسرائيل، وتتقاسم الدولتان القدس كعاصمة مشتركة لهما.
ولكن على نحو مأساوى، وبعد عشرين عاما من التقدم الدبلوماسى بعد حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر)، شهدنا ثلاثة عقود من التراجع. واكتسبت القوى المعارِضة للمصالحة والتسوية السلمية اليد العليا على الجانبين. فقد ازدادت قوة الأصوليين الفلسطينيين فى حماس والمنظمات المرتبطة بها، وعمل المتعصبون الإسرائيليون على توسيع مستوطناتهم غير القانونية على الأرض المحتلة التى كان من المفترض أن تصبح أراضى الدولة الفلسطينية المنتظرة. ومعا، عمل المتعصبون على الجانبين على تدمير الجسر الذى بنته اتفاقيات أوسلو.
يُحمل كاتب المقال المجتمع الدولى مسئولية ما يحدث الآن فى غزة. فقد كان الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة منقسمين ومشتتين إلى الحد الذى جعل مشاركتهما بجدية فى عملية سلام مستدامة أمرا غير وارد. ووجد الجميع أنه من الأسهل ببساطة نسيان القضية الفلسطينية. وحتى قبل هجوم السابع من أكتوبر، لم يكن أى شىء تقريبا باقيا مما أوجدته اتفاقيات أوسلو.
فى الوقت الحاضر، سوف يتبادل الجميع توجيه أصابع الاتهام. لقد استمرت المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية فى التوسع، فتأسس بذلك نظام فصل عنصرى بحكم الأمر الواقع فى الضفة الغربية، وفقدت السلطة الفلسطينية مصداقيتها بالكامل. وأصبح الفلسطينيون الأكثر شبابا يتطلعون بيأس إلى مستقبلهم، واستنتج بعضهم أن العنف هو الحل الوحيد.
يؤكد الكاتب على أنه من الخطأ أن نعتقد أن القضية الفلسطينية يمكن تنحيتها جانبا. كان من المحتم أن تعود إلى الظهور إن عاجلا أو آجلا، والآن عادت بالفعل مع الهجوم الذى شنته حماس.
• • •
من المفهوم أن يركز العالم اهتمامه على نوايا إسرائيل المعلنة باستئصال حماس. وسوف نشهد قريبا عملية إسرائيلية مسلحة واسعة النطاق لتدمير قيادة الجماعة وبنيتها الأساسية داخل قطاع غزة المكتظ بالسكان. ولكن ماذا قد يحدث بعد تحقيق ذلك الهدف؟ هل تستعيد إسرائيل السيطرة المباشرة على غزة بعد تدميرها وتحويلها إلى خراب يباب؟ هل تسمح لمئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين بالعودة إلى ديارهم؟ أو هل تنسحب ببساطة وتجازف بالسماح بترسخ تهديد جديد لأمنها؟ لا أحد يدرى، لأنه لا يوجد حل حقيقى. فى الشرق الأوسط اليوم، ستظل غزة المعزولة تمثل مشكلة دائمة، بصرف النظر عن الجهة التى تحاول حكمها.
بعد أن تصمت أصوات المدافع وتُحصى أعداد القتلى، سيكون لزاما على القادة السياسيين تجديد السعى إلى السلام. من الواضح أن العواطف على كل الجوانب متأججة. ولكن يتحتم علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان من الممكن جعل عام 2023 بداية لعملية سلام جديدة، على غرار عملية 1993، وما هى المتطلبات اللازمة لتحقيق هذه الغاية.
لا شك أن الوضع اليوم مختلف تمام الاختلاف، لأن المواقف أصبحت أكثر تشددا على الجانبين. لكن نقطة البداية الجيدة ربما تكون العودة إلى المبادئ الأساسية لمبادرة السلام العربية التى طرحت فى عام 2002. كان الاقتراح، الذى قادته المملكة العربية السعودية، يتلخص فى عرض التطبيع الدبلوماسى مع إسرائيل فى مقابل إنهاء الاحتلال ومَنْح الفلسطينيين مستقبلا جديدا. بعد جيل كامل من الفشل، ربما يظهر زعماء جدد ــ على الجانبين ــ يعودون إلى هذا الإطار.
• • •
كما هى الحال دوما، سيظل الشيطان كامنا فى التفاصيل. لكن أى عملية سلام لابد أن تبدأ بالاعتراف بمبادئ أساسية، ويجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من سياق دولى أوسع يشمل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، وربما الصين الآن. فى اللحظة الراهنة، هذا مجرد حلم. ولكن فى غياب مثل هذه الرؤية، فإن أفضل ما يمكن تحقيقه هو استراحة مؤقتة إلى أن تأتى المأساة التالية.
تحمل الأيام والأسابيع المقبلة أهوالا محققة. ومع بدء دخول الدبابات إلى غزة، لا يملك المرء إلا أن يأمل أن تُـدار الحرب على نحو لا يؤدى إلى تدمير إمكانية السلام فى المستقبل. إن احترام القانون الدولى، وخاصة القانون الإنسانى الدولى، اعتبار بالغ الأهمية. فهو الأساس الذى يمكن أن يُبنى عليه مستقبل سلمى.
ذات يوم، غرست هذه الأراضى فى البشرية الأمل فى الجنة. ولا يجوز لنا أن نسمح لها بالانزلاق إلى الجحيم. هذه أيام مظلمة. ومن المهم الآن أكثر من أى وقت مضى أن نُـبـقى على شُـعلة الأمل متوهجة.
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved