المعركة ليست فى قصر العينى
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 ديسمبر 2011 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
الدماء التى سالت فى شارع قصر العينى ــ للأسف الشديد ــ هى الوقود للمعركة الأكبر المتعلقة بمن يحكم مصر، وكيف يحكمها.
كثيرون منا منشغلون ــ ولهم الحق ــ فى المجزرة الراهنة مثلما انشغلنا قبلها بما حدث فى مجازر ميدان التحرير وكنيسة إمبابة ومحمد محمود وماسبيرو، ولم نلتفت إلى أن كل هذه المعارك كانت ستارا لمحاولة ترتيب مواقع السلطة المقبلة.
من فرط سذاجتنا أننا انشغلنا بالبحث عن الطريقة التى بدأت بها الأحداث، وهل كانت بسبب لعب كرة القدم، أم لأن عضو الألتراس الأهلاوى أراد تفتيش ضابط وسيارته.
أحد العوامل الرئيسية للصراع الموجود بعد سقوط مبارك ــ وكان أوضح تجلياته المادتين التاسعة والعاشرة بوثيقة السلمى ــ هو ان الجيش يريد أن يطمئن على دوره المستقبلى، و أن تكون له الكلمة الفصل ليس فقط فى ميزانيته بل وفى الحياة السياسية.
فى المقابل فان القوى المدنية تريد أن يكون هذا الدور مقتصرا على حماية الحدود فقط. وما بين هذين الموقفين هناك التيار الإسلامى الذى حصد غالبية مقاعد الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات، ويرى أن البرلمان لابد أن يكون صاحب الكلمة العليا فى كل شىء، لكن بعض أعضاء المجلس العسكرى قالوا بوضوح إن صلاحيات المجلس المقبل ستكون هامشية، ورغم سحب هذه التصريحات لاحقا فإنها مثل الدخان الذى يشير إلى النار.
لو كنت مكان التيار الدينى لشعرت بالقلق الشديد من الأحداث الدامية الأخيرة، فربما كانت الرسالة موجهة فى الأساس لهذا التيار، وربما ذلك يفسر ما جاء فى الوثيقة التى نشرتها «الشروق» أمس عن المخاوف التى تشعر بها جماعة الإخوان المسلمين مما يجرى، وهى حسب الوثيقة «تشتم رائحة تصرفات غير مريحة».
يعتقد البعض أن الجيش سيوقف انتخابات المرحلة الثالثة لقطع الطريق على الإسلاميين و«ضرب كرسى فى كلوب الديمقراطية»، كما حدث فى النموذج الجزائرى أوائل التسعينيات.
المشكلة فى ظنى ليست الانتخابات فالكل يريدها ــ باستثناء قلة هامشية ــ ولم يعد الوضع الدولى والإقليمى، بل والمحلى يسمح لأى جيش بإلغاء الانتخابات.. ذلك ترف انتهى زمنه.
وللموضوعية فلو كان الجيش يريد عرقلة الانتخابات، لفعل ذلك منذ شهور طويلة، وكان يملك العديد من أوراق الضغط لكنه لم يفعل، بل تم اتهامه بمحاباة التيار الإسلامى، المشكلة تكمن فى الصلاحيات الموكلة للبرلمان المقبل ودوره فى صياغة وثيقة الدستور ونمط النظام السياسى المصرى ومدى قدرته على مراقبة الحكومة ومحاسبتها.
النقطة المحورية فى كل ذلك فهى كيف سيكون دور الجيش فى المستقبل؟!
هناك سيناريو يرجح أن الجيش يضغط عبر هذه الأحداث المتشابهة فى إيصال رسالة للجميع ــ خصوصا الإسلاميين ــ إنه لا أمن ولا أمان إلا بعد أن يتم الاتفاق على تأمين وضعه المستقبلى فى الدستور والحياة السياسية.
إذا لم يعد خافيا تفاصيل اللعبة الخشنة الدائرة حاليا: القوى التى تبقت من الثورة تشعر أن الثورة تم سرقتها وتسعى للمحافظة على الحد الأدنى منها وهو الحرية والكرامة الإنسانية، والتيار الإسلامى لا يرى أمام عينيه الآن إلا يوم 17 يناير عندما يكتمل «مجلس الشعب الإسلامى»، والجيش يريد تأمين دوره، وبين هذه القوى الثلاثة هناك طرف رابع اسمه «الفلول»، وهؤلاء ما يزالون يملكون التأثير الكبير، ليس فقط فى الإعلام، لكن ــ وذلك هو الأهم ــ داخل مواقع حساسة من مفاصل الدولة.. وفى كل كارثة يشعر هؤلاء أن مخططهم أو حلمهم ــ أو كابوسنا ــ قاب قوسين أو أدنى من التحقق.