فصول جديدة.. لا فصل واحد!
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 21 يناير 2016 - 10:17 م
بتوقيت القاهرة
«فصل جديد» هو التعبير المفتاحى اليوم، الذى يتشدق به الإيرانيون، ويسايرهم فيه الأمريكيون، لوصف علاقة طهران الجديدة بالغرب، وبالولايات المتحدة تحديدا. وكمثل الوعود الافتتاحية الكبرى، يترافق التطبيل لـ«الفصل الجديد» مع تعهدات يستدعى تصديقها محو الذاكرة وإحراق الأرشيف معا. وإلا كيف يستقيم التعامل مع إعلان إيران أنها مكرسة لمكافحة الإرهاب؟!
لكن «الفصل الجديد» هذا لا يحتاج إلى منجمين كى يلاحظوا أن فصولا أخرى لا تقل جدة سترافقه وتكمله.
فهناك فصل جديد ثان هو العلاقة الروسية – السورية، فى موازاة الدور الإيرانى المتصاعد وبمواكبته. هكذا يتبدى بعد نشر الاتفاق المبرم بين البلدين أن موسكو فرضت انتدابا محكما على دمشق صارت بعده تنازلات عبدالناصر لموسكو أو تنازلات شاه إيران لواشنطن أقرب إلى التشدد الوطنى.
وهناك فصل جديد ثالث يمكن أن نسميه تسلح المنطقة حتى الأسنان، بل سباق فى تسلحها يستنزف الموارد المتضائلة أصلا، خصوصا مع التراجع المتعاظم الذى يضرب سعر السلعة النفطية. وما تفعله حرب اليمن، فى هذا الإطار، إنما هو إشارة إلى وجهة قد تشق طريقها إلى معظم البلدان، جاعلة الهدوء توترا والتوترات حروبا.
وهناك فصل جديد رابع يكتب معظمه فى العراق من دون أن يقتصر عليه، وهو أن الأطراف السنية الراديكالية، ستغدو أكثر سنية وأكثر راديكالية. ذاك أن شعورا متناميا بالمظلومية سيعززه ما تسميه تلك القوى أحلافا شيطانية بين «غرب صليبى» و«إيران فارسية». وفى سياق كهذا ستندفع جماعات أهلية متعاظمة إلى تفهم «داعش» و«النصرة» وأضرابهما، إن لم يكن التطابق معها.
***
وهناك فصل جديد خامس مؤداه أن القضية الكردية ستزداد، فى العراق وسوريا وتركيا، حضورا وتوكيدا، وإن كانت الوجهة التى ستسلكها فى كل بلد عرضة للتضارب مع وجهتها فى بلد آخر. وفى المقابل ستزداد القضية الفلسطينية غيابا وضمورا يوازيهما مزيد من الارتياح الإسرائيلى إلى الحاضر والمستقبل، كما إلى الحدود والنموذج.
وهناك فصل جديد سادس اسمه موقع الغرب، وأميركا تحديدا، فى خريطة الكراهية العربية. ذاك أن روسيا وإيران انتزعتا، أقله عند أكثريات شعوبنا، الصفات الاستعمارية والإمبريالية من الغرب الذى احتكرها طويلا. وهذا من دون أن يخفف الكراهية للغرب يجعلها نقمة على عدم التدخل، بعدما كانت نقمة على التدخل. فـ «مؤامرة» الحضور الروسى – الإيرانى اليوم تتكامل مع «مؤامرة» الاحتجاب الغربى والأميركى والتخلى عن المنطقة تاليا.
وهناك فصل جديد سابع عنوانه أن جبهة الممانعة والمقاومة ستجد نفسها معنية بإعادة اختراع ذاتها وتعريفها. فهى برهنت أن تعلقها بإيران يبلغ الحد الذى يجعلها تتقبل أميركا وتطوى نزاعها مع إمبرياليتها «الشيطانية». وهى فى حبها إيران (وروسيا) إنما تقلد المجتمعات الزراعية القديمة فى حبها الشمس، سواء أضاءت أو أحرقت، وفى اعتبارها أن المكان الذى تشرق منه مصدر الحياة فيما المكان الذى تغيب فيه مصدر الموت والأفول. أما الممانع الذى يأبى العمل بهذا المبدأ فتتكفل إيران ضبطه على الصراط المستقيم الجديد.
أما الجامع بين الفصول هذه فإنها تعلن التغليب الصريح والكامل للطائفى والإثنى والأهلى فى عمومه على الوطنى والقومى والإيديولوجى فى عمومه. وهذا بذاته يتوج التراجع البادئ قبل ما يقارب القرن.
الحياة – لندن
حازم صاغية