الحرب العالمية الجديدة في التكنولوجيا

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الجمعة 21 فبراير 2025 - 7:46 م بتوقيت القاهرة

 سنة 2021 قال قائد القوات الجوية الأمريكية أو كما يسمونه سكرتير القوات الجوية فرانك كيندال أن أمامه ثلاث مهمات أساسية وهم بالترتيب: الصين، الصين، ثم الصين. كان ذلك فى مؤتمر للقوات الجوية والفضائية والسيبرانية أثناء إلقاء كلمته. استغرقت كلمته ثلاثين دقيقة ذكر فيها كلمة الصين 27 مرة فى مقابل ثلاث مرات لكلمة روسيا.

لا ننكر أنه حتى الآن أمريكا هى القطب الأوحد فى العالم، لكننا لا نستطيع أيضا أن ننكر أن الصين أصبحت قاب قوسين من تهديد عرش أمريكا على جميع الأصعدة سواء اقتصادية أو سياسية أو تكنولوجية إلخ، وإن كانت تلك الأصعدة متداخلة إلا أننا سنركز فى مقالنا اليوم على الجانب التكنولوجى.

أمريكا لا تريد فقط أن تكون الأكثر تقدما، بل وتتحكم أيضا فى كيفية انتشار التكنولوجيات المختلفة فى العالم. أمريكا ترى أنه إذا لم تحكم قبضتها على كيفية انتشار التكنولوجيا المتقدمة فإنها من الممكن أن تقع فى يد «الأعداء» سواء من الدول أم الجماعات المسلحة مما يشكل تهديدا كبيرا على الاستقرار العالمى.

سنتكلم عن نوعين من التكنولوجيا لهما أكبر التأثير على العالم: الذكاء الاصطناعى وأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة.

•  •  •

الذكاء الاصطناعى يعتمد حاليا على استخدام بيانات ضخمة وبرمجيات أكثر تعقيدا وبالتالى تحتاج أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة. برمجيات الذكاء الاصطناعى المتعلقة بتعليم الآلة (machine learning) تعتمد على خطوتين:

     •    خطوة التعليم (training): وهى تحتاج أجهزة كمبيوتر عملاقة مثل التى تملكها شركات جوجل ومايكروسوفت وأمازون.

     •    خطوة الاستخدام (inference): وهى الخطوة التى تجيب فيها البرمجيات على أسئلتنا وتنتج صورا وفيديوهات بل وتنتج أيضا برمجيات.

كان الأمر فى الماضى أن خطوة الاستخدام لا تحتاج أجهزة كمبيوتر قوية كالتى تحتاجها خطوة التعليم، لكن مع كبر حجم البيانات والبرمجيات والتعقيدات فى الأسئلة التى أصبح المستخدمون يطرحونها كلما ازدادوا خبرة فى التعامل مع برمجيات الذكاء الاصطناعى فإن خطوة الاستخدام أصبحت أيضا تحتاج أجهزة قوية مرتفعة التكلفة وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة.

تحدثنا فى العديد من المقالات السابقة عن الذكاء الاصطناعى سواء الجيل الحالى أو الأجيال القادمة ونقاط قوته وضعفه فلن نعيد الكلام هنا، لكن سنذكر نقطتين: النقطة الأولى أن السباق على أشده للوصول إلى الذكاء الاصطناعى العام (Artificial General Intelligence). البرمجيات الحالية للذكاء الاصطناعى متخصصة فى مجال ضيق، مثلاً نجد برمجيات متخصصة فى  التطبيقات الطبية، وأخرى للعب الشطرنج، وثالثة للتطبيقات الاقتصادية إلخ. الذكاء الاصطناعى العام متخصص فى عدة مجالات ويستطيع استخدام خبرات مكتسبة من مجال معين فى مجال آخر، أى يقترب من الذكاء البشرى. نحن ما زلنا بعيدين عن هذا الجيل لكن السباق بدأ، والدولة التى ستصل إليه أولاً: سيكون لها السبق الكبير فى مجالات عديدة. النقطة الثانية هى ازدياد الاحتياج لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة.

•  •  •

أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة مرتفعة التكلفة جدا سواء تكلفة التصنيع أو تكلفة الصيانة. تلك الأجهزة تعتمد على رقائق (chips) معينة تنتجها شركات مثل (NVIDIA) و (AMD) وحتى جوجل وأمازون أصبحتا تنتجان رقائق كمبيوتر مصممة خصيصا لتشغيل برمجيات الذكاء الاصطناعى بكفاءة مرتفعة.

لتحجيم تقدم الصين فى مجال الذكاء الاصطناعى وأيضا فى مجال أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين منعت بيع رقائق الكمبيوتر المتقدمة للصين، وأيضا ضغطت على الشركة الهولندية (ASML) كى لا تبيع الأجهزة المتقدمة لتصنيع الرقائق، وتلك الشركة الهولندية هى الوحيدة فى العالم التى تصنع تلك الأجهزة المتقدمة المستخدمة فى تصنيع الجيل الأخير من رقائق الكمبيوتر، أى إن أمريكا تحاول منع الصين من شراء الرقائق المتقدمة أو تصنيعها. طبعا الصين لن تقف مكتوفة الأيدى.

•  •  •

الصين تستخدم عدة طرق لكسر الحصار التكنولوجى المضروب عليها:

     •    استخدام وكلاء من خارج الصين للحصول على الرقائق المتقدمة.

     •    استخدام أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة عبر الإنترنت عن طريق إخفاء هويتهم الصينية ومكانهم.

     •    استيراد رقائق من دول أخرى خارج السيطرة الأمريكية.

     •    استخدام ما تملكه الصين من رقائق أقدم بطريقة مبتكرة وهو ما رأيناه فى  برنامج (DeepSeek) الذى زلزل العالم المتقدم عند ظهوره. الصين استخدمت رقائق أقدم لكنها استخدمت عددا كبيرا منها، واستخدمت برمجيات مفتوحة المصدر (open source) أى منخفضة التكلفة لأن من صممها وضعها كى يستخدمها الآخرون بتكلفة قليلة جدا حتى يشجع الابتكار. أيضا استخدمت الصين طريقة مبتكرة فى تعليم الآلة. لنتخيل وجود شخص نريد تعليمه كما مهولا من المعلومات فى كل المجالات، هذا سيستغرق وقتا طويلا وتكلفة عالية، هذا ما تستخدمه شركة مثل (OpenAI) فى  برنامجها (chat GPT).  لنتخيل الآن عددا من الأشخاص نريد تدريب كل منهم على مجالات محددة فقط. تدريب كل شخص سيستغرق وقتا أقصر وتكلفة أقل، وعندما تسأل سؤالا سيتم استخدام الخبير الذى تم تدريبه على المجال المتعلق بالسؤال. هذا ببساطة ما يفعله (DeepSeek).

يجب ألا نغفل أن شركة (TSMC) المسئولة عن تصنيع حوالى 60% من الرقائق فى العالم تقع فى تايوان، أى قريبة من الصين. هل سنرى معركة حول تلك الشركة؟ إذا حدث ذلك ففى الغالب ستندلع الحرب بين أمريكا والصين.

•  •  •

ماذا نحن فاعلون؟ هل سنكتفى بمقعد المتفرج؟ أم فقط سنشترى تلك التكنولوجيات المتقدمة التى «سيسمحون» لنا بشرائها؟ أعتقد أننا يجب أن يكون لدينا سياسة علمية تعتمد على الآتى:

     •    متابعة ما يجرى من تقدم علمى وتكنولوجى فى الدول الأخرى، هذه المتابعة تشمل معرفة هذا التقدم وتأثيره وما إذا كان نافعا لنا لاستقدامه، أو كيفية التعامل مع الموقف إذا لم يسمح لنا باستقدامه.

     •    ما نستقدمه عندنا نحتاج لدراسته ثم العمل على تطويره ما أمكن.

     •    دراسة كيفية مواجهة التكنولوجيا المتقدمة بأخرى أقل تقدما، ولنا فى  (DeepSeek) فى مواجهة (chatGPT) العبرة.

مقعد المتفرجين ليس بأفضل مكان لمن أراد أن يكون فاعلاً على الساحة الدولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved