لماذا هذه الحساسية السودانية؟!
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الإثنين 21 مايو 2018 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
هل يحق للإخوة فى السودان أن يغضبوا ويحتجوا على مسلسل «أبوعمر المصرى» الذى تبثه شبكة قنوات أون؟!
كانت مفاجأة لكثيرين أن الحكومة السودانية استدعت السفير المصرى الأسبوع الماضى، وأبلغته احتجاجا رسميا على إذاعة المسلسل المأخوذ عن رواية للدبلوماسى والروائى والكاتب الصحفى عزالدين شكرى فشير. ووصل الأمر إلى المطالبة بمنع بث المسلسل أو تغيير مشاهده، التى تسىء إلى السودان من وجهة نظر حكومتها.
شبكة أون أصدرت بيانا واضحا نفت فيه أن يكون المسلسل مسيئا للسودان وشعبها وأن كل أحداثه من وحى خيال المؤلف، وليس للحكومة دخل من قريب أو بعيد به.
فى اليوم نفسه قال الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد إنه بعد مطالعة الحلقات الثلاث محل الازمة تبين أنها لا تسىء للسودان، ورغم ذلك فإن مصر تحرص على إزالة كل ما يغضب السودان.
لا أريد اطلاقا أن أنكأ الجراح وأتحدث عن النار الموجودة تحت رماد العلاقات. لكن المهم أن نتأكد أن أساس العلاقات صار متينا وقويا وعصيا على كل محاولات العبث سواء كانت رسمية أو غير رسمية.
من حق الحكومة السودانية أن تدافع عن نفسها وسياساتها القديمة والحديثة وكذلك عن ماضيها، لكن المهم عليها التوقف عن الحساسية المبالغ فيها بشأن كل ما يتعلق بمصر.
المفترض أن مسلسل «أبوعمر المصرى» المأخوذ عن رواية صادرة عن دار الشروق، لا يستدعى بالمرة أن يتسبب فى استدعاء السفير المصرى. الخطر هو إذا كانت السودان تفعل ذلك مع مثل هذا المسلسل، فماذا ستفعل إذا كان الأمر أكبر ويستحق؟!
علاقات البلدين يفترض أنها أقوى كثيرا من هذه المسائل. وهناك فى المقابل وقائع وأحداث وتاريخ ينبغى ألا يتم تغييره. من بين ذلك ان الحكومة السودانية كانت فى فترات طويلة ــ منذ٣٠ يونيو ١٩٨٩، حينما نفذ البشير انقلابه ــ جزءا من الحركة الاسلامية بما فيها جماعة الإخوان. السودان أيضا استضاف كارلوس الذى يعتبره الغرب إرهابيا، ويراه كثيرون فى تيار اليسار العالمى مناضلا أمميا، فهل عندما يأتى مؤلف سينمائى ويستلهم قصته، فى الخرطوم وحكاية تسليمه للمخابرات الفرنسية، يكون ذلك تهجما على السودان؟!
الإرهابيون الذين حاولوا اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فى أديس أبابا تلقوا دعما من متطرفين يقيمون فى الخرطوم، فهل عندما يتحدث أساتذة التاريخ أو الروائيون عن هذا الحادث يتم التعامل معهم باعتبارهم يسيئون إلى السودان؟!
الحكومة السودانية لها خيارات سياسية والطبيعى أن تدافع عنها، لكن لا تجبر الآخرين على تبنيها وتصديقها. هى تقاربت مع قطر، وقلنا إن هذا حقها، وهى استضافت أردوغان وسلمته ميناء سواكن المجاور لمصر، لتقوم تركيا بتطويره، وقلت فى هذا المكان إن هذا حقها السيادى، لكن ليس من حقها أن تمنع غالبية المصريين من الغضب من شقيقه السودانى، لأنه يتعمد أن يتقارب مع نظامين يناكفان بلده ليل نهار. وقبل غالبية المصريين على مضض الموقف، السودانى الداعم للحكومة الإثيوبية، فى موضوع سد النهضة، حتى لو كان ضارا بالأمن القومى لمصر.
كتبت أكثر من مرة فى هذا المكان ضرورة أن تبذل الحكومة المصرية كل الجهود لتحافظ على علاقتها مع الحكومة السودانية، وأن أى خلاف يمكن حله فى إطار العلاقات الأخوية. وأكرر اليوم أن علينا أن نبحث فى المشتركات وليس المسائل الخلافية. كتبت فى هذا المكان أيضا مشيدا بالحكومة المصرية حينما استضافت الرئيس البشير قبل نحو شهرين، ورتبت له حفلا فنيا ممتازا فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة.
اليوم ألح وأتمنى على الحكومتين ضرورة إيجاد آلية ثابتة تبحث فى حل كل الخلافات أولا بأول، لأنه من الخطأ الكبير أن تتوتر العلاقات بمعدلات صارت كثيرة فى فترة زمنية صغيرة. تقريبا لا يكاد يمر شهر إلا وهناك نار تحت رماد علاقات البلدين. وتلعب بعض الدول والاجهزة ووسائل الإعلام المنفلتة حينا، والمأجورة أحيانا فى تأجيج نيران الخلاف.
مطلوب أن نبحث فى وضع أساس قوى لهذه العلاقات، وأتمنى من الأشقاء فى الخرطوم التوقف عن الحساسية المبالغ فيها لكل شىء من أول أصل الحضارة الفرعونية، إلى نوايا مؤلف «أبوعمر المصرى» عزالدين شكرى الذى فوجئ بحذف اسمه من على عمله!!