مصر تعود إلى فلسطين
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الجمعة 21 مايو 2021 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
الدروس والعبر والمواعظ من العدوان الإسرائيلى الأخير على القدس وغزة كثيرة. ومن بينها بداية عودة الدور المصرى ليصبح أكثر فاعلية، وهو ما نتمنى أن يستمر حتى ينجح فى تحقيق تسوية دائمة، وليس فقط مجرد الوساطة لوقف إطلاق النار.
كانت هناك وساطات وجهود دبلوماسية وسياسية متعددة، لكن فى النهاية فإن مصر هى من تمكنت من تحقيق الاختراق، وتم ذلك بالطبع بدور أمريكى فاعل فى اللحظات الأخيرة.
قبل هذا العدوان ظن كثيرون أن الدور المصرى فى القضية الفلسطينية، قد انتهى إلى غير رجعة. وأن أطرافا أخرى قد حلت محل هذا الدور لمجرد أن بعضها يرسل شحنات وقود، أو يدفع مرتبات بعض العاملين فى سلطة حماس، أو أن طرفا ثانيا يرسل مساعدات إنسانية، أو طرفا ثالثا يرسل مساعدات عسكرية، أو طرفا رابعا يطلق تصريحات عنترية فى حين أنه يقيم علاقات حميمة جدا مع المعتدى الذى يقتل «إخوانه» فى غزة!!
الموقف المصرى كان واضحا فى انحيازه للأشقاء الفلسطينيين، وتمثل ذلك فى بيانات وزارة الخارجية المستمرة بإدانة العدوان، أو فى استدعاء السفير الإسرائيلى للاحتجاج. ورغم ذلك، فقط تمكنت مصر عبر علاقتها مع الإسرائيليين إضافة إلى تنسيقها الدائم مع الفلسطينيين من الوصول فى النهاية لوقف إطلاق النار.
الدرس الثانى والمهم هو عودة الحياة لدبلوماسية القمة بين مصر والولايات المتحدة. والفضل فى ذلك للدور المصرى النشط.
نعلم جميعا أن الرئيس الأمريكى الديمقراطى جو بايدن لم يتصل بالعديد من زعماء المنطقة منذ فوزه بالانتخابات الأمريكية فى أوائل نوفمبر الماضى. أو دخوله البيت الأبيض. أو اتصل ببعضهم بعد فترة طويلة من بدء ممارسة مهامه رسميا.
اتصال بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسى مساء الخميس الماضى، هو الأول من نوعه بين الرئيسين. وهو يعنى أشياء كثيرة من بينها إدراك إدارة بايدن لأهمية الدور الذى يلعبه الرئيس ومصر عموما، وهو ما تمثل فى توجيه بايدن الشكر للرئيس السيسى على جهوده فى الوصول للتهدئة ووقف إطلاق النار.
هذا التطور قد يفتح الباب لتنسيق مصرى أمريكى على أعلى مستوى، لمناقشة حل نهائى وعادل للقضية الفلسطينية، بدلا من الدائرة العبثية والحلزونية التى أدخلت فيها إسرائيل العرب منذ سنوات طويلة.
كسبت مصر كثيرا خلال هذا العدوان لأسباب كثيرة، أهمها التناغم بين الموقفين الرسمى والشعبى، فى دعم الأشقاء فى فلسطين، وهو ما يعنى أن غالبية الشعب يؤيدون حكومتهم وقيادتهم حينما تكون البوصلة صحيحة.
مصر الرسمية سارعت، ورغم علاقتها مع إسرائيل، إلى إبداء التعاطف مع الفلسطينيين ثم إلى موقف عملى بإرسال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وبعدها استقبال المصابين والجرحى، ثم الإعلان عن تطوع أطباء مصريين لمعالجة الفلسطينيين ثم مبادرة التبرع بنصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة.
هذا الموقف يبين أنه يمكن لمصر المناورة أكثر وتعضيد ودعم الموقف الفلسطينى، من دون أن تخسر علاقتها الرسمية مع الجانب الإسرائيلى.
أحد الدروس المهمة من العدوان الإسرائيلى الأخير على القدس وغزة، أنه يمكن الاستفادة والمزج وصولا إلى معادلة تتضمن دعم المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها خصوصا السلمية، مع الدور المصرى سياسيا وشعبيا وإنسانيا، مع العمل على توحيد الموقف الفلسطينى، والبحث عن صيغة الحد الأدنى من التضامن العربى خصوصا القوى الفاعلة.
لو تمكنا كعرب من الوصول لهذه الصيغة أو المعادلة، فربما يمكن الحديث وقتها عن إمكانية الضغط على إسرائيل للدخول مباشرة فى حل عادل ونهائى.
نعرف أن إسرائيل لا تقدم هدايا مجانية، ومن مصلحتها استمرار الانقسام الفلسطينى والعربى، مدفوعة بدعم أمريكى أوروبى مستمر، لكن تجربة انتصار الشعب الفلسطينى بكل فئاته، على آلة القتل الإسرائيلية فى العدوان الأخير تثبت أنه لا مستحيل فى السياسة.
المهم المطلوب على وجه السرعة البناء على الموقف المصرى الأخير، ودعمه وتثبيته ليصبح أكثر فاعلية.