مشروعات تكنولوجية بدون فائدة
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 21 مايو 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
فى مناقشات مع بعض الأصدقاء وحتى على مواقع التواصل الاجتماعى كثيرا ما يثار السؤال الآتى: هناك بعض المشروعات التكنولوجية التى تقوم بها مؤسسات أو شركات عملاقة وتنفق عليها أموالا طائلة، ولكنها تبدو مشروعات بدون فائدة، أو هكذا تبدو للكثيرين. مثلا فى السنوات 1996 و1997 أنفقت شركة أى بى إم ملايين من الدولارات لبناء جهاز كمبيوتر عملاق ليلعب الشطرنج مع بطل العالم آنذاك جارى كاسباروف وقد فاز يطل العالم سنة 1996 ثم خسر سنة 1997 مما أحدث ضجة كبيرة لأنه لأول مرة يفوز جهاز كمبيوتر على بطل العالم. وكالة ناسا أنفقت مليارات الدولارات لإنزال مركبات على سطح المريخ لجمع وتحليل عينات من التربة والقيام بتجارب عديدة. قد يتساءل البعض عن فائدة كل ذلك؟ ألم يكن من الأفضل إنفاق تلك الأموال فى مشروعات لمحاربة الفقر والمرض والجهل والتغير المناخى إلخ؟ هذا ما أود أن نناقشه.
لنبدأ بالنقطة السهلة، هذه الشركات والمؤسسات تدفع أموالا طائلة فى تلك المشروعات لأن نجاحها يعتبر دعاية وقوة ناعمة لها، لاحظ أن الدعاية شىء مهم للشركات والقوة الناعمة شىء مهم للدول، لذلك إنزال مركبة على المريخ هى وسيلة من أمريكا لإظهار عضلاتها التكنولوجية للعالم خاصة وأن ناسا مؤسسة حكومية أمريكية.
الهدف الآخر من تلك المشروعات هو استخدام التكنولوجيات المستحدثة لإتمام تلك المشروعات فى أهداف أخرى مهمة.
بعد مباراة الشطرنج مع بطل العالم أخذت أى بى إم التكنولوجيا المستخدمة والدروس المستفادة إلى مشروع آخر وهو لعبة (Jeopardy!) وهى تعتمد على أسئلة وأجوبة مثل برامج الأسئلة الشهيرة التى نجدها فى جميع القنوات التليفزيونية، هذا المشروع أصعب من الشطرنج لأنه يستلزم معرفة لغة البشر وتحليل السؤال الذى قد يحتوى على تورية أو معرفة بثقافة معينة ثم البحث عن إجابة، بعد نجاح هذا المشروع ظهر جهاز واطسون الذى جربته الشركة فى تشخيص الأمراض واقتراح العلاج وتمكين الكمبيوتر من متابعة أحدث الأبحاث الطبية بدقة وسرعة يعجز عنها الطبيب البشرى. إذا ما بدأ بلعبة قد ينتهى بشىء مفيد أو محاولة الوصول إلى شىء مفيد.
الوصول إلى المريخ ملىء بالصعوبات التقنية مما استلزم تطوير تكنولوجيات جديدة تفيد البشرية فى تطبيقات أخرى، فمثلا المركبة (perseverence) التى نزلت على المريخ سنة 2020 تحتوى على تكنولوجيا جديدة تسمى (moxie) تحاول ناسا تجربتها فى الغلاف الجوى المريخى وهى تكنولوجيا لتحويل ثانى أكسيد الكربون لأكسجين باستخدام الموارد الموجودة على سطح المريخ، أيضا تحاول ناسا تطوير هليكوبتر صغيرة بدون طيار فى جو المريخ وهذا ليس سهلا وقد ينتج عنه طائرات بدون طيار أكثر فعالية من الجيل الحالى، بالإضافة إلى ذلك هناك تطوير لأجهزة الدفع وللحواجز الحامية من الحرارة العالية وتطوير آليات توليد الطاقة وآليات الاتصالات.
بدون تلك الرحلات الفضائية التى بدأت بالدوران حول الأرض ثم الهبوط على القمر ثم المريخ وما بعده لما ظهرت وتطورت وسائل الاتصال الحديثة وأجهزة تحديد المواقع (GPS) والكثير من الاختراعات الأخرى التى نعتبرها الآن شيئا عاديا.
الاختراعات التكنولوجية التى تزيد من رفاهية الانسان على الأرض تظهر إما فى الحروب أو فى هذه المشروعات التى قد تبدو للوهلة الأولى غير مفيدة.
هل يمكن نقل تلك العقلية عندنا فى مصر؟ طبعا ليس الآن وفى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الوقت المناسب لتلك المغامرة لكن قد نستطيع تحقيق الكثير بطريقة أخرى وهى مشروعات التخرج فى كليات الهندسة والحاسبات، ويتأتى ذلك باتجاهين.
الاتجاه الأول هو متابعة مشروعات التخرج للطلاب واختيار ما يصلح منها للاستخدام على مستوى أوسع، طبعا يجب أن يتم تطوير هذا المشروع لأن الانتقال من مشروع تخرج صغير إلى استخدام على نطاق أوسع يحتاج إلى تطوير كبير لكن فكرة مشروع التخرج هى بداية الطريق.
الاتجاه الثانى هو إعطاء طلبة البكالوريوس فكرة المشروع من البداية، مثلا إذا كنا نريد تطوير جهاز روبوت لاستكشاف مناطق خطرة فإن هذا يعتبر مشروعا كبيرا ومعقدا لطلبة الكليات لذلك يتم «تقطيعه» لمشاريع أصغر، مثلا مشروع فى قسم الميكانيكا لعمل جسم روبوت يتحرك بسلاسة وسرعة ومشروع لقسم الإلكترونيات لتصميم مجسات حساسة لقياس درجات الحرارة والرؤية الليلية والاتصال بالرادار إلخ وطلاب أقسام الحاسبات لتصميم البرمجيات التى تجمع كل تلك المعلومات وتتخذ القرار بالحركة الذى تطيعه أجزاء جسم الروبوت، فى النهاية يتم تجميع تلك الأجزاء الصغيرة لتحقيق مشروع كبير.
عندنا طلاب موهوبون ومتعطشون للبحث العلمى (وأنا أقول ذلك عن تجربة شخصية) فعلينا الاستفادة منهم.