أن تموت هنا خير من أن تعيش هناك
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 21 مايو 2023 - 8:35 م
بتوقيت القاهرة
يصعب أن تكون هناك إجابة صحيحة أو حقيقية فى كل الأوقات، كما يصعب أن يكون المرء على يقين بأنه على صواب، والآخرون جميعا إما أغبياء أو مضللون من قبل آخرين يعرفونهم على أنهم شياطين الأرض والسماء والبحر، بل هم ملوك الشياطين فى الحياة والآخرة!
• • •
مع ذلك يردد كثيرون فى لحظة ممتدة للإحساس الذى انتابهم ربما قبل سنين، قد تمتد لأكثر من عشر أو عشرين أو ربما لسنوات وسنوات هى فترة زمنية تطول وتقصر حسب مقاييس كل فرد كما العمر وكما معنى الحياة.. تقفز مثل هذه التساؤلات أو ربما تبدو هى على شكل فلسفة سفسطائية بحتة عندما يقرر أحدهم وهو جالس على كرسيه أو حتى فى شقة متواضعة أصبحت منزله بعد أن هُجّر أو أجبر على الرحيل والسفر السريع، حتى أنه لم يملك من الوقت ما يسمح بلملمة بعض من ذكريات مبعثرة فى أركان مسكنه الذى كان بيته وحياته. يقول لماذا يرحلون فيما عليهم الصمود والبقاء حيث هم فى وجه الآخر والآخر ليس كما يتخيل لنا أو هكذا كان، أى الأنظمة الحاكمة أو السلطات أو حتى المؤسسات المتسلطة كالمؤسسات الدينية على تنوعاتها واختلاف تسمياتها، بل هى كل الآخر الذى يتصور أنه أو أنها يملكون القدرة والمعرفة لمعرفة ما هو أفضل لك نعم لك أنت أينما كنت أو أينما حللت؟.. هم يتصورون أن صمودك أنت فقط سيسقط الظلم بأشكاله وألوانه المتنوعة فببقائك تشرق الشمس كل يوم دون هاجس البحث عن لقمة عيش تسد الأفواه الجائعة المنتظرة فى ذاك الجحر الذى يدعى سكن. وتبقى مشرقة وأنت تتسول الحق فى العلاج لأحد الأحبة على قلبك أو حتى جارك الذى عرفته منذ أن كنت تلعب الكرة فى زقاقكم الضيق أو.. أو.. وكثيرة هى التأويلات والمواقف التى تعمل جهدها دون كلل لإقناعك أن بقاءك ميتا فى قبر بمدينتك التى عصفت بها الحروب أو ثقافة الاستهلاك وانتشار وباء الفساد والمحسوبية والمنصب حسب اسم العائلة، وولائك بل وولاء كل فرد من عائلتك حتى الطفل الرضيع منهم الذى عليك أن ترضعه منذ ساعاته الأولى حب الحاكم والآمر! يبقون لساعات على نفس وتيرة الحماس فى محاولة لإقناعك، أو ربما إقناع أنفسهم قبلك، أن بقاءكم هنا أفضل من الرحيل وإلا فهذا يعنى إما أنك تساهم فى تغيير ديموغرافى أو أنك تنكر حق الوطن عليك فى أن تبقى وتبقى وتشقى وتشقى فى سبيله.
• • •
هنا كانت تلك العبارة التى رددها الزميل عندما قال هل من الأفضل أن أبقى فى المكان الصحيح حتى الموت جوعا أو قصفا أو بسبب الاختناق من شدة العتمة فى بلدى أو بلدتى أو مدينتى، أم أرحل لأعيش ربما بعيدا ولكن ليبق الوطن أو حلم المكان الذى كنت وكنا نسعى لبنائه متقدا بداخلنا لا ينطفئ بصحافتهم وإعلامهم وندواتهم وشعاراتهم، وحتى أغانيهم الوطنية التى تستخدم بكبسة زر لتكون وسيلة حماسية باهتة ولا تبتعد كثيرا عن ما قام به الشهير غوبلز كبيرهم الذى علمهم جميعا السحر حتى تفوقوا عليه، كما يتفوق التلامذة الفاشلون الخائبون على معلميهم وأساتذتهم بحكم قدرتهم الرهيبة على «الفهلوة!»
• • •
يرددون ماذا تفعل فى تلك البلاد رغم أن كل البلاد هى أرض الله كما علمونا وقالوا عنها إنها واسعة جدا، بل تعلمنا أن نطلب العلم ولو فى الصين التى بدت حينها ونحن طالبات بضفائر وكأنها آخر بقعة ضوء فى الأفق بل أبعد منها ربما؟ وآخرون يقولون لهم ابقوا حيث أنتم فى بلدة لم يبقَ منها سوى ظل الموتى وعتمة تنيرها ضحكات وحكايات كانت تسكنها.. يؤكدون أن الموت هناك أشرف من الرحيل وهم كانوا أول الراحلين ليس بأجسادهم، بل عندما بعدوا كثيرا عن قيم من علمهم من كبار فهموا الحياة، دون أن يعلقوا شهادات تحمل أسماء جامعات هارفارد ويال وبوستن وأوكسفور وكثير كثير غيرها تحولت هى الأخرى إلى أسماء ماركات شهيرة يحب بعضهم أن يحملوها ويعلقوا لوحاتهم مصحوبة بصور حفل التخرج الشهير، حيث كان المتحدث الأساسى هو ذاك الرئيس أو الوزير أو مدير المؤسسة المالية أو رئيس بنك يعرف القاصى والدانى كم تسببوا فى موت الكثيرين أو تجويعهم أو إفقارهم أو حتى قتلهم البطىء بالبطالة والعوز والذل المغلف بأسماء ملونة.
• • •
يعيد السؤال نفسه أن تموت صامدا فى مدينتك المعتمة أفضل لك من العيش فى غربة بعيدة حتى ترى النور كما الآخرين، أليست كلها مما يقال أنه حقوق للإنسان، أى إنسان وأينما كان؟
كاتبة بحرينية